الخبير المصرفي : خالد عمران يكتب ” مفاجأة : ماذا لو انهار سعر الدولار إلى 25 جنيها؟”

في ظل التراجع الأخير في سعر صرف الدولار الأمريكي من مستويات تجاوزت 51 جنيهاً إلى نحو 49 جنيهاً، وهو ما أرجعه الخبراء إلى عدة عوامل اقتصادية محلية ودولية، ارتفعت آمال كثيرين بأن هذه الحركة قد تكون بداية لانهيار هيمنة الدولار، وعودة سعره إلى مستويات ما قبل الازمات الاقتصادية العالمية المتلاحقة.
ورغم أن ذلك يمثل رغبة لدى معظم فئات المجتمع، إلا أن الواقع الاقتصادي لا يسير وفق التمنيات فقط. ولتسهيل فهم الآثار المحتملة، دعونا نفترض جدلاً أن سعر الدولار انخفض فجأة إلى النصف، أي من 50 إلى 25 جنيهاً، فما تداعيات هذا السيناريو على السوق المصرية، وعلى المستثمرين، والمستهلكين، والاقتصاد عموماً؟
أولاً: ستكون هناك آثار سلبية على المستثمرين والأصول المقومة بالدولار ، فالانخفاض الحاد في الدولار سيؤدي مباشرة إلى هزة كبيرة في القطاع العقاري وهو اكبر قطاع اقتصادي في مصر حاليا ، حيث ستتراجع أسعار مواد البناء ، مما سيُسهم في انخفاض أسعار العقارات والتي وصلت حالياً إلى مستويات مبالغ فيها. هذا التراجع سيؤدي إلى خسائر فادحة للمستثمرين ، الذين اشتروا أو بنوا على أساس أسعار مرتفعة.
كما أن أسعار الذهب، المرتبطة عالميا بسعر الدولار، ستنخفض إلى النصف تقريباً، مما يسبب خسائر كبيرة للأفراد الذين احتفظوا بثرواتهم في شكل ذهب.
حتى الشركات والمؤسسات التي تحتفظ بفائض دولاري ستواجه خسائر فادحة و كذلك التي قامت بتسعير منتجاتها بناء على سعر صرف مرتفع، حيث ستجد نفسها عاجزة عن البيع بأسعار السوق الجديدة، مما يهددها بالإفلاس وتسريح العمالة هو ما يؤثر سلبا علي الاقتصاد بشكل عام.
وقد يرى البعض أن تراجع الدولار مقابل الجنيه هو نوع من العدالة الاقتصادية، حيث يُعوِّض الفئات المتوسطة ومحدودي الدخل عن سنوات من الغلاء وارتفاع الأسعار، وأنه آن الأوان لتحمّل من استفادوا من صعود الدولار نصيبهم من الخسائر. لكن الواقع أكثر تعقيداً من ذلك.
فعندما ينخفض سعر الدولار إلى 25 جنيهاً، تتضاعف القوة الشرائية للجنيه بشكل مفاجئ. فعلى سبيل المثال، من كان يمتلك 250 ألف جنيه تعادل 5 آلاف دولار حينما كان الدولار بـ50 جنيهاً، سيجدها الآن تعادل 10 آلاف دولار وبالمثل، الموظف الذي يتقاضى راتباً شهرياً قدره 10,000 جنيه، كانت قيمته تعادل 200 دولار، ستصبح 400 دولار بسعر الصرف الجديد. هذه الزيادة في القدرة الشرائية ستدفع قطاعات واسعة من المواطنين إلى زيادة استهلاكهم، خصوصاً للسلع المستوردة مثل السيارات، الإلكترونيات، والملابس الفاخرة وغيرها والتي ستصبح فجأة في متناول شريحة أوسع من السكان. ومع وجود أكثر من 105 ملايين نسمة، فإن أي تحسُّن في الدخل أو الأسعار سينعكس سريعاً على حجم الطلب في السوق. لكن في المقابل، السلع المعروضة لن تتمكن من مجاراة هذا الطلب المتزايد، بسبب ضعف الطاقة الإنتاجية والاعتماد على الاستيراد في كثير من القطاعات. وبالتالي، ترتفع الأسعار ثانية نتيجة اختلال التوازن بين العرض والطلب، وهو ما يُعرف بالتضخم الناتج عن زيادة الطلب.
وليس هذا فحسب، بل إن انخفاض الدولار سيُحفّز أيضاً على زيادة عمليات الاستيراد، لأن الأسعار الخارجية ستبدو أرخص نسبياً مقارنة بالإنتاج المحلي. هذا سيؤدي إلى تراجع تنافسية الصناعة المحلية، ويُضعف من قدرتها على النمو والتوسع. كما أن زيادة الواردات تعني زيادة استهلاك الدولار من السوق، ما قد يؤدي بمرور الوقت إلى ضغوط جديدة على سعر الصرف وعودة ارتفاع الدولار مرة أخرى، مما يُعيد سعره إلى نقطة البداية، وربما أسوأ. وبالتالي، فإن القوة الشرائية الزائدة، التي تبدو في ظاهرها مكسباً فورياً، قد تتحول بسرعة إلى عبء اقتصادي طويل الأجل ما لم تُواكب بزيادة موازية في الإنتاج المحلي، وضبط عمليات الاستيراد، وتحقيق توازن مستدام في سوق الصرف.
وكذلك التحسُّن المفاجئ في سعر الجنيه سيؤدي أيضاً إلى تراجع سريع في القدرة التنافسية للصادرات المصرية، مما قد يضر بميزان المدفوعات. وستصبح السياحة أكثر تكلفة بالنسبة للأجانب بسبب الارتفاع المفاجئ في قيمة الجنيه، مما قد يؤدي إلى انخفاض العائدات السياحية، وهي مصدر رئيسي للعملة الأجنبية في مصر.
الخلاصة : قد يبدو انخفاض الدولار إلى 25 جنيهاً خبراً ساراً، لكنه يحمل في طياته آثاراً اقتصادية مزدوجة. فمن دون إصلاحات هيكلية وزيادة في الإنتاج المحلي، فإن هذا التراجع المفاجئ سيقود إلى موجة تضخم كبيرة تقضي على المكاسب قصيرة الأجل.
التحدي الحقيقي لا يكمن في سعر الصرف نفسه، بل في ضمان استقراره وانخفاضه التدريجي وتحقيق التوازن المستدام بين العرض والطلب.
