المتحف المصري الكبير.. من الفكرة إلى الافتتاح ومن دفع الفاتورة.. وهل صاحب الفكرة مدعو ؟

كتب: أمجد جلال
بعد أكثر من ثلاثة عقود من التخطيط والعمل، تستعد مصر لافتتاح واحد من أعظم المشاريع الثقافية في العالم: المتحف المصري الكبير، الواقع على بعد كيلومترين فقط من أهرامات الجيزة. مشروعٌ يختصر حكاية مصر الحديثة مع حضارتها القديمة، ويكشف عن رحلة طويلة من الأحلام والتحديات والتمويلات، وصولًا إلى لحظة الافتتاح المنتظرة في نوفمبر 2025.
البداية.. فكرة تحولت إلى مشروع القرن
في مطلع التسعينيات، طرح وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني فكرة إنشاء متحف عالمي يليق بتراث مصر الفرعوني، بعدما ضاق المتحف المصري بالتحرير بآلاف القطع الأثرية المخزّنة في أقبية لا يراها أحد. تحوّلت الفكرة إلى مشروع رسمي عام 2002، حين أُطلقت مسابقة عالمية لتصميم المتحف وفاز بها مكتب المعمار الأيرلندي Heneghan Peng Architects.

وفي عام 2003، وُضع حجر الأساس في الموقع المطل على هضبة الأهرامات، لتبدأ رحلة بناءٍ طويلة امتدت لعقدين شهدت تغيرات سياسية وثورات وأزمات اقتصادية وتوقفات متكررة، قبل أن يعود المشروع للحياة تدريجيًا بدعم حكومي واسع في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي.
التمويل.. من دفع الفاتورة؟
بلغت التكلفة الإجمالية للمتحف أكثر من مليار دولار أمريكي، جاءت معظمها من قروض يابانية ميسّرة تغطي نحو 75% من النفقات، إلى جانب مساهمات من الحكومة المصرية وتبرعات من بنوك ومؤسسات وطنية مثل البنك الأهلي المصري وبنك مصر، إضافة إلى دعم شعبي رمزي عبر حملات تبرع في عام 2014.
وبذلك، يُعد المتحف ثمرة شراكة ثقافية واقتصادية بين القاهرة وطوكيو، جمعت بين الخبرة الهندسية اليابانية والرؤية الحضارية المصرية.
المتحف.. معمار يتكلم حضارة
المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى، بل مدينة ثقافية على مساحة 117 فدانًا تضم قاعات عرض ومركزًا للترميم ومكتبة ومركز مؤتمرات. ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من مختلف العصور، بينها المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون التي تُعرض لأول مرة في مكان واحد، إضافة إلى تمثال رمسيس الثاني الذي استقبل الزوار من الردهة الرئيسية منذ نقله عام 2018.
من الفكرة إلى الافتتاح.. بصمة فاروق حسني
لا يمكن الحديث عن المتحف دون التوقف عند دور فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق، الذي يُعتبر صاحب الفكرة الأولى وصاحب الفضل في إطلاق المشروع من الأساس. فقد دافع عن رؤيته أمام مجلس الوزراء في التسعينيات، ورأى أن مصر بحاجة إلى “بوابة حضارية جديدة” أمام الأهرامات. كما أشرف على إطلاق المسابقة الدولية للتصميم واختيار الموقع الحالي.
ورغم خروجه من الوزارة عام 2011، ظل حسني حاضرًا في المشهد الثقافي، وأُدرج اسمه في مجلس أمناء المتحف المصري الكبير بصفته عضوًا مؤسسًا ومستشارًا ثقافيًا للمشروع.
هل صاحب الفكرة مدعو للافتتاح؟
نعم، تؤكد مصادر إعلامية أن اللجنة المنظمة وجهت إلى فاروق حسني دعوة رسمية للمشاركة في حفل الافتتاح، تتضمن كلمة مُسجَّلة تُعرض خلال البرنامج الرئيسي، مدتها نحو 40 ثانية، تقديرًا لدوره في إطلاق المشروع منذ بدايته. كما صرّح عالم الآثار زاهي حواس بأن “من الواجب أن يُكرَّم فاروق حسني في هذا اليوم التاريخي، لأنه صاحب الفكرة وبذرتها الأولى”.
ورغم عدم صدور بيان رسمي من وزارة الثقافة بشأن حضوره الشخصي، فإن وجود اسمه ضمن قائمة المتحدثين يعكس اعتراف الدولة بدوره الرمزي في ميلاد المتحف المصري الكبير.
التأجيلات والافتتاح المرتقب
تأجل افتتاح المتحف أكثر من مرة، لأسباب فنية وأخرى تتعلق بالظروف السياسية والاقتصادية، إلى أن أعلنت الحكومة المصرية أن الافتتاح الرسمي سيكون في 1 نوفمبر 2025، بعد فترة تشغيل تجريبية استمرت لأشهر وشهدت استقبال الزوار في قاعات محدودة.
ويُتوقع أن يحضر الافتتاح شخصيات عالمية بارزة، من بينها مديرو متاحف دولية، وقادة سياسيون، وممثلون عن منظمة اليونسكو واليابان، تقديرًا للشراكة الطويلة التي أنجزت هذا الصرح الثقافي الفريد.
المتحف.. بوابة مصر إلى العالم
عند افتتاحه الكامل، سيكون المتحف المصري الكبير أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة، وأحد أهم المقاصد السياحية في الشرق الأوسط. فالمكان الذي يطل على أهرامات الجيزة لا يروي فقط قصة مصر القديمة، بل يُعيد رسم صورة مصر الحديثة كدولة قادرة على أن تمزج بين التاريخ والعصر، بين الهوية والحداثة، وبين الإرث والإنجاز.
وبينما يستعد المصريون لليوم الكبير، تبقى روح الفكرة التي وُلدت قبل ثلاثين عامًا حاضرة: أن تكون الحضارة المصرية في واجهة العالم، لا في ذاكرته فقط.




