أنا أعرف أن السياسة مثل الطبخ لها مقادير وطعم وفائدة، كما أعرف أن الشيف الذي هو رئيس الطهاة وزعيم المطبخ، أي مطبخ كان عربياً أو أجنبياً، لا يقبل أن يتدخل طباخ آخر -مهما كانت صفته- في تسمية أطباقه التي يعدها، وهو حر في شؤون مطبخه من الأف إلى الياء.
فهو بمثابة الآمر الناهي في مطبخه، كما لو كان رئيس هيئة أو حكومة، يرفض التدخل الخارجي في شؤون دولته وسياسته الداخلية والخارجية، لكن «الشيف» نبيه، وهو طباخ «شاطر» يتقن المقادير جيداً، ويعرف أسرار ما يقدم من وجبات غذائية، وما هي السعرات المناسبة له ولمن معه.
كما أن «الشيف» نبيه، حفظه الله، مدرك جداً للأضرار التي قد تصيب مهنته لو لم يتمكن من تقديم ما هو نافع ومفيد، وعلى أكمل وجه، بعد أن اختارته عائلته الكريمة لهذه المهمة، كونه أبرع من غيره في إعداد الوجبات السريعة والخفيفة التي يحتاجها الإنسان، من حيث القيمة والسعرات الحرارية في هذا الزمن المزدحم إرهاقاً براً وبحراً وجواً.
لكن المشكلة أن هناك تدخلات من طباخ آخر، جاء من بعيد يملي على «الشيف» نبيه، كيف يعد قائمة الوجبات المفضلة ويقدمها لمن حوله من الأهل والأقارب والأصدقاء الدائمين له والمعتمدين عليه في قوتهم اليومي منذ سنين طوال، وقبل أن يتدخل الآخرون في شؤون مطبخه المشهود له بالجودة وتحديد المقادير وطريقة التحضير للوجبات السريعة، التي كان نبيه وفريقه يعدونها يومياً، والحالة كانت «عال العال» و«العيشة معدن» ولله الحمد والشكر والثناء. ولكن منذ وصول طباخ «الكرشة» و«لحمة الراس»، وإبراز رأسه وبسط هيمنته على هذا المرفق المهم في تكوين هذه المدينة الجميلة بناسها والعاملين فيها، من حيث الذوق الرفيع والأخلاق وحسن المعاملة، فهم أصحاب الذوق العالي الذين لم أر في حياتي من يملكه سواهم.
بصراحة «الشيف» نبيه، ساكت، ولا يوقف هذا العابث الغريب في القائمة الغذائية المعروفة من أطباق الفتوش، والكبة النية الجميلة، والحلويات المتنوعة من زنود الست والوربات وأطباق الكنافة المحلاة بأجمل أنواع الفستق والجبن العكاوي العجيب، وتحول أنواع الأطباق من عربية إلى غير ذلك.
أخي «الشيف» نبيه!
لا نريد أحداً يعلمنا كيف نطهو خبزنا، فنحن أهل البلد، ونحن أدرى بشعابها، هل وصلت الرسالة؟
أرجو ذلك!