أخبار مصر

استثمار ضخم لعائد أكبر.. الأهرامات تدخل عصر السياحة الذكية

في ظهيرة مشمسة من شهر مايو، وقفت مريم الجوهري، الكندية ذات الأصول المصرية، على هضبة الجيزة تتأمل الأهرامات الثلاثة، تلك الكتل الحجرية الصامدة منذ آلاف السنين. لكن ما أثار دهشتها هذه المرة لم يكن حجمها أو تاريخها، بل التغير الجذري في التجربة نفسها.

تقول مريم، التي تعمل في مجال الموارد البشرية بمدينة كالغاري: “عندما زرت المكان قبل 15 عامًا، شعرت بالإحباط. لم يكن هناك نظام، وتعرضنا لمضايقات من الباعة، وكان كل شيء عشوائيًا، أما اليوم، فكل شيء يبدو كما تتوقعه من وجهة سياحية عالمية. التجربة أشبه بزيارة متحف مفتوح”.

قصة مريم تعكس ما يحدث فعليًا في الموقع الأثري الأشهر في مصر. فخلال السنوات السبع الماضية، شهدت أهرامات الجيزة مشروع تطوير شامل بتكلفة 30 مليون دولار، أعاد رسم ملامح الزيارة، ليجعل من التجربة رحلة مريحة وسلسة، بدلًا من معاناة الزحام والعشوائية التي لطالما ارتبطت بالموقع.

اليوم، يدخل الزائرون الموقع عبر بوابة حديثة تبعد حوالي 1.5 ميل عن الأهرامات، يمرون بقاعات عرض تمهيدية قبل أن يستقلوا حافلات مكيفة تقلّهم إلى سفح الأهرامات، حيث يقف تمثال أبو الهول وحيدًا، كما فعل لآلاف السنين، لكن هذه المرة أمام جمهور أكثر احترامًا وتنظيمًا.

وفي الطريق، يمكن للزوار التوقف عند محطات مزودة بمرافق طالما كانت مفقودة: دورات مياه نظيفة، متاجر هدايا رسمية، مقاهٍ، ومطاعم فاخرة أبرزها مطعم “خوفو”، الذي يُصنف بين أفضل 50 مطعمًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويُطل مباشرة على الهرم الأكبر.

نهاية لفوضى الخيول والجمال؟

المشكلة الأكبر التي واجهت الزوار لسنوات – الباعة الجائلون وخيالة الجمال – باتت اليوم تحت السيطرة. فقد خصصت لهم السلطات منطقة معزولة نسبيًا، ومنعتهم من الوصول إلى البوابة القديمة التي طالما استغلوها لملاحقة السياح.

لكن التحدي لم ينتهِ تمامًا، إذ يقول عمرو جزارين، الرئيس التنفيذي لشركة “أوراسكوم بيراميدز” المشغّلة للموقع: “لا يزال بعضهم يحاول التسلل والعودة، لكن السلطات عازمة على فرض النظام تدريجيًا.”

ويضيف: “الناس كانوا يخشون زيارة الأهرامات بسبب هذه الفوضى، وهذا أمر غير مقبول لمعلم بهذه الأهمية”.

أمل في مضاعفة أعداد السياح

في أبريل الماضي، ارتفع عدد الزوار بنسبة 24% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، بحسب وزارة السياحة، في مؤشر على نجاح التحسينات الجارية، ويتزامن ذلك مع الاستعداد لافتتاح “المتحف المصري الكبير”، المشروع الذي تبلغ كلفته مليار دولار ويقع على بُعد خطوات من الأهرامات.

معًا، يمثل المشروعان خطوة رئيسية في خطة مصرية تهدف إلى جذب 30 مليون سائح سنويًا خلال عقد، ما يضع البلاد على الخريطة العالمية إلى جانب دول مثل اليونان وإيطاليا.

“يجب أن نكون في المقدمة”

رغم التطوير، لا تزال أعداد الزوار السنوية للأهرامات لا تتجاوز 2.5 مليون، نصفهم من المصريين. مقارنة بذلك، استقبل الكولوسيوم في روما 12 مليون زائر في عام 2023.
يعلق جزارين قائلاً: “من غير المقبول أن يجذب أهم معلم أثري في العالم ما يزيد قليلاً عن مليون زائر أجنبي. نحتاج إلى وقت، لكن الأرقام بدأت تتحرك في الاتجاه الصحيح”.

من زيارة مضطربة في 2010 إلى تجربة راقية في 2025، تجسد رحلة مريم الجوهري قصة تحول طال انتظاره. الأهرامات، التي كانت يومًا وجهةً مرهقة، أصبحت اليوم موقعًا عصريًا يليق بعظمتها، ويعد بمستقبل سياحي أكثر إشراقًا لمصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ad 12 all pages
زر الذهاب إلى الأعلى