منوعات

كرداسة.. حاضرة التراث المصري تواجه خطر اندثار الحِرَف اليدوية

بين جنبات شارع ضيق في أطراف مدينة الجيزة، وتحديدًا في حي كرداسة، لا يزال صدى خيوط الماضي ينسج حكاياته عبر أقمشة مطرزة يدويًا ونقوش تعكس هويات مصرية متعددة، لكنها اليوم تترنح تحت ضغط الصناعات الجاهزة والإقبال المتناقص على الحِرف التقليدية.

قال مصطفى رضوان، أحد أقدم صناع الملابس التراثية في كرداسة، والبالغ من العمر 70 عامًا:

“اشتغلت في الشارع ده من وأنا عندي 10 سنين. الملابس التراثية ليها بهجة وصنعة أصيلة. زمان، السواح هما اللى كانوا يجوا يعرفوا قيمة الحاجة دي، وكانوا بيحترموا كل قطعة لأنهم عارفين إنها معمولة بإيدين متقنة وبروح صانعها”.

لكن تلك الروح، كما يصفها رضوان، باتت مهددة بالانقراض. فالتطريز اليدوي الذي كان يُجلب من “بئر العبد” في سيناء، والنقوش الدقيقة في أقمشة “التلي” القادمة من أخميم في سوهاج، لم تعد تجد من يحترفها، وسط إغراق السوق بـ”شرايط جاهزة” تُلصق على القماش بدلاً من غرز “الكنفاه” اليدوية.

ويضيف رضوان بحسرة:

“الجيل الجديد مش عايز يتعب، بيشوف إن الشغلانة مش مجزية. العباية اللي بتقعد الست شهر تطرز فيها، العائد بتاعها ما بيكفيش تمن الخيوط!”.

ومن داخل أحد محال بيع العبايات، يتحدث محمد السمان، أحد شباب الحي، عن التحولات التي طرأت على المهنة:

“كنا بناخد من كل منطقة حاجة.. الجلابية الفلاحية الوسعة والمريحة، التطريز السيناوي الجميل، موديلات القفطان المغربي. بس دلوقتي كله بقى مطبوع أو بشرايط صينية بتتلزق، علشان السعر”.

ورغم تراجع المهنة، ما تزال كرداسة تحتفظ ببريقها كمزار سياحي وثقافي، خاصة في الأعياد والمناسبات، حيث يتوافد المصريون لاقتناء عباءة مميزة أو قطعة تراثية تُعبر عن ذوق مختلف وهوية راسخة.

القصة التي تحكيها خيوط العبايات هنا ليست مجرد موضة أو تراث، بل مقاومة ناعمة للنسيان، تحاول كرداسة من خلالها أن تبقى، وأن تُبقي على ما كان يومًا هوية مصر البصرية والروحية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ad 12 all pages
زر الذهاب إلى الأعلى