الخبير المصرفي خالد عمران يكتب: علاقة عكسية .. “الذهب والدولار”

28 أغسطس، 2024

منذ آلاف السنين، حظي معدن الذهب بمكانة مادية ومعنوية عالية ، وحرص الملوك منذ فجر التاريخ علي الاحتفاظ به ، حيث يتمتع بالندرة والجمال وعدم تأثره كمعظم المعادن بعوامل الطبيعة وتعدد استخدامه في الحلي والزينة ، وبعدها استخدم لصنع العملات والتي تمتعت بالقبول علي مستوي العالم ، وحتي عند اختراع النقود الورقية كانت بغطاء ذهبي ومطبوع عليها “يحق لحامله استبدالها بمقدار معين من الذهب “.

وقد نشرت في مقال سابق بعنوان ” الدولار الملك” في 13 مارس 2024 (مرفق رابط المقال) تاريخ الدولار الأمريكي ولماذا يعتبر هو عملة التداول العالمية ووسيط مقبول لتداول عملات العالم حيث كان الدولار مغطي بالذهب حتي عام 1971.

وعلي ذلك فأن كلا من الذهب والدولار الأمريكي يعتبران من أصول الملاذ الآمن ، لكن العلاقة بينهما هي علاقة عكسية ، فعندما تنخفض قيمة الدولار الأمريكي و تنخفض الفائدة علي اذون الخزانة الامريكية ، فأن المستثمرين يتحولوا الي الملاذ الامن الاخر وهو الذهب فيزيد الطلب عليه ويرتفع سعره ، وعند ارتفاع سعر الفائدة علي الدولار فان المستثمرين يتخلصوا من الذهب – حيث انه يعمل كمخزون قيمة بدون ان يدر أي عائد دوري – ويذهبوا لشراء اذون الخزانة الأمريكية للاستفادة من سعر الفائدة العالية وتحقيق عوائد مستدامه ، فيزيد بيع الذهب ويقل سعره. وكذلك خلال الازمات المالية التي تتأثر بها الولايات المتحدة كأكبر قوه سياسة وعسكرية في العالم ، فتتجه الأنظار الي الملاذ الامن الاخر وهو الذهب فتقل قيمة الدولار وترتفع قيمة المعدن الأصفر.

لكن قد تنكسر تلك العلاقة العكسية عند حدوث أزمات اقتصادية او سياسية بعيدة التأثير عن الولايات المتحدة فيذهب الجميع الي أي ملاذ امن متاح وقد يرتفع سعر الدولار والمعدن الأصفر معا بشكل استثنائي.

كما انه مؤخرا بالرغم من ارتفاع سعر الفائدة علي الدولار علي اعلي مستوي لها منذ 23 عام ، الا ان سعر الذهب ارتفع أيضا بشكل استثنائي ، حيث ان كما ذكرت في نفس المقالة السابقة ، عدم توافق دول العالم علي نظام مالي بديل للدولار الأمريكي بعد قيام الولايات المتحدة باستخدامه كوسيلة عقاب سياسي للدول التي تختلف معها ، ولذلك قامت كثير من البنوك المركزية – بقيادة الصين – بعمليات شراء شرسة لتعزيز احتياطاتها من المعدن الأصفر كوسيلة لتحوط بدلا من شراء اذون وسندات الخزانة الأمريكية . حيث أظهرت البيانات ان بنك الشعب الصيني كان أكبر مشتري رسمي للذهب في عام 2023، حيث بلغ صافي مشترياته 7.2 مليون أونصة (الاونصة حوالي 31 جرام) وفقًا لمجلس الذهب العالمي، هي أكبر كمية يتم شراؤها في عام واحد على الأقل منذ عام 1977.

علاقة الذهب والدولار في مصر:

الا ان ما سبق لا ينطبق علي السوق المصري ، لأن تسعير الذهب في مصر يتأثر بعاملين اساسين وهو سعر الذهب العالمي وكذلك سعر الدولار مقابل الجنية حيث يتم تسعير الذهب بالدولار الأمريكي.

وعلي ذلك عند انخفاض سعر الدولار وارتفاع سعر الذهب عالميا ، فيرتفع سعر الذهب في مصر. وعند انخفاض سعر الذهب عالميا وارتفاع سعر الدولار امام الجنية ، فأيضا يرتفع سعر الذهب في مصر ، وكذلك عند الرغبة في التحوط من تعويم مستقبلي للجنية وانخفاض قيمته امام الدولار ، فيزيد الطلب علي الذهب كملاذ امن ويرتفع سعره في مصر بغض النظر عن سعره عالميا ، الا ان تحرير سعر صرف الجنية وثباته امام الدولار يعطي طمأنينة وثقة للمستثمر في قيمة الجنية المصري فيقل الاقبال علي شراء الذهب فتستقر او تهبط قيمته.

وفما يلي رسم بياني لسعر اوقية الذهب والبالغة 29.75 جرام مقابل الجنية المصري خلال اخر 10 سنوات