تعتبر قضية الزيادة السكانية من أكثر القضايا التي اختلف عليها الخبراء ما بين مؤيد ومعارض، فهناك من يقول إن العنصر البشري هو أهم ما نحتاجه للنمو باقتصاد الدولة، وهناك من يقول إن الزيادة السكانية لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد والموارد الطبيعية.
امتيازات للحد من الزيادة السكانية
وتمثل الزيادة السكانية عبئا على الدول محدودة الإمكانات والموارد، كما هو الحال في دول العالم الثالث ومن بينها مصر، وتقف حجر عثرة أمام جهود التنمية بها، وقد تؤدي لتعطل أي تحرك في هذا الاتجاه.
وحسب تقرير للأمم المتحدة في سبتمبر 2022 قالت إن مصر تحتل المرتبة الأولى على مستوى الدول العربية من حيث عدد السكان، والثالثة أفريقيا، والرابعة عشرة عالميا، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يصل عدد السكان عام 2032 إلى 124 مليون نسمة في حالة ثبات معدل الإنجاب عند 2.9 مواليد لكل سيدة، بينما في حالة انخفاض معدل الإنجاب إلى 1.6 مواليد لكل سيدة عام 2032 فمن المتوقع أن يصل عدد السكان إلى حوالي 117 مليون نسمة عام 2032.
يشار إلى أن الساعة السكانية بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كشفت عن أن عدد سكان مصر أصبح 104 ملايين نسمة.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، إن قضية الزيادة السكانية “حياة أو موت”، وسيكون هناك برامج مالية تحفيزية للسيدات ممن ستلتزم بطفلين.
وتابع رئيس الوزراء، أنه من الوارد استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية لمدة عامين أو ثلاثة وهو ما دفع الحكومة لدراسة سيناريوهات الأوضاع للاقتصاد العالمي، موضحا أن ارتفاع أسعار السلع يعاني منه كل دول العالم، وأن الحكومة مطالب منها توفير مليون فرصة عمل كل عام، وبناء على تكليفات رئيس الجمهورية الحكومة تعمل على وضع استراتيجية لمكافحة الفساد.
وكشف مصطفى مدبولي، أن مخصصات الدعم والمنح والحماية الاجتماعية ارتفع لـ172 مليار جنيه مقارنة بالعام الماضي، وأنه تم إصدار 3.5 مليون قرار علاج على نفقة الدولة، موضحا أن وحدة دعم الاستثمار بمجلس الوزراء، انتهت من حل 80% من مشاكل ومطالب المستثمرين، موضحا أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ في الربع الأول من العام المالي الحالي ارتفع لـ94% عن الفترة من العام الماضي، موضحا أن “مصر قادرة على سداد ما عليها من أقساط للمؤسسات الدولية”، وإنه من الوارد طرح شركات أخرى بالبورصة بجانب الـ32 شركة المعلن عنها لتوسيع قاعدة مشاركة القطاع الخاص.
وقالت عبير سليمان الباحثة فى شئون المرأة، إن هذه الحوافز ستساهم بشكل كبير في خفض معدل الانجاب في مصر، حيث إن معظم الدول المتقدمة تقوم بمنح حوافز لكل من يلتزم بالسياسة الانجابية، ومعاقبة وحرمان من لا يلتزم حيث تُمنع الاسرة من الحصول على أي امتيازات من الدولة في حالة انجاب اكثر من طفلين أو أكثر من طفل أحياناً في حالة كان معدل التضخم في هذه الدولة عالي.
وأضافت سليمان – في تصريحات لـ”صدى البلد”، أنها تدعم أي قرار أو امتيازات أو تمكين لأسرة فقيرة أو متوسطة إذا كانوا ملتزمين بالسياسة الإنجابية للدولة، مشيرة إلى أنه مثل هذا القرار يطبق في الدول المتقدمة التي تنظر لمصلحة الجماعة وليس الفرد الواحد ومصلحة المجتمع قبل الفرد، وبالتالي مستوى التعليم يصبح جيداً بدرجة كبيرة فضلاً عن تحسن المستوى الاقتصادي لهذه الدول.
إطلاق الاستراتيجية القومية للسكان
ولفتت إلى أن القوى البشرية في هذه الدول تنتج بشكل حقيقي ولا يكون المواطنين بها عائق على الدولة، وذكرت أنه حتى أمريكا التي كانت تقوم بتقديم منح للمواطنين الذين لا يعملون قامت يتغيير سياستها مؤخراً تجاه هذه المنح المقدمة لهم.
وأطلقت مصر عدد من السياسات السكانية، كان آخرها الاستراتيجية القومية للسكان “2015-2030” – وحسب دراسة قام بها المركز المصري للفكر و الدراسات الاستراتيجية، فقد ركزت الاستراتيجية في محور هام منها على رفع الوعي المجتمعي بالحقوق الخاصة بالصحة الإنجابية لتبني سلوكيات واختيارات إنجابية سليمة والقضاء على التحديات الثقافية التي تؤدي إلى تفاقم الأزمة؛ إلا أن بعد انتهاء الخطة التنفيذية يمكن الجزم باستمرار تلك التحديات ومنها:
نمو الأفكار التي تناهض تمكين المرأة مما يؤدي إلى تناقص دور المرأة في المجال العام وانحسار دورها على المساهمة داخل المنزل مما يتيح المجال لمزيد من الإنجاب الذي يفوق قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية.
الترويج لبعض المفاهيم المغلوطة حول آيات من القرآن أو السنة من قِبل التيارات المتشددة مثل حديث “تناكحوا تناسلوا أباهي بكم الأمم يوم القيامة”، و”تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم”.
انحسار دور رجل الدين في نشر الوعي بالقضية السكانية وانخفاض معدلات تناول تلك القضية على منابر المساجد وفي خطب الجمعة مما يخلق هالة من الغموض حول تفسيرات الدين للعديد من الأحاديث والآيات التي تتناول قضية الانجاب.
التحالف بين الأعراف القائمة على التراث الشعبي حول مفهوم العزوة وما يقابلها عند التيارات المتشددة بمفهوم نصرة الدين بالإنجاب.
الأفكار السلبية حول إنجاب الفتيات واعتباره وصمة عار للرجل وبالتالي تتجه الاسرة للمزيد من الإنجاب حتى يأتي الولد “الذكر” الذي يعد سندًا لإخوته الاناث.
المفهوم الرائج بين النساء بأن الإنجاب هو ما يدعم الأسرة ويمنع الزوج من الانفصال أو الزواج مرة أخرى.
الزواج فيما يسمي بـ”بيت العيلة”، والذي يؤدي إلى التنافس بين النساء من أجل إنجاب المزيد من الذكور.
انتشار العادات السيئة في المجتمع مثل الزواج المبكر الذي بدوره يطيل مدة الإنجاب لدى السيدة ويسمح بإنجاب المزيد من الأطفال.
خطوات لمعالجة ومواجهة التحديات
وأضافت الدراسة، أنه لمعالجة تلك التحديات يوصي بعمل التالي:
صياغة خطاب ديني معاصر يتناول الزيادة السكانية من منطلق علاقتها بالموارد الطبيعية المتاحة على المستوى القومي.
تعزيز مفهوم التكلفة الاقتصادية لكل طفل.
الاستثمار في وعي كل المواطنين الجاهزين للتعامل مع الأسرة بداية من أسرة المنشأ وهي “العائلة أو الأسرة الممتدة”، والتي تمثل الركيزة الأساسية في مشكلة النمو السكاني، فهي التي تقوم ببث الأفكار السلبية الخاصة بسرعة الإنجاب بعد الزواج وكثرة إنجاب الأطفال.
التعامل مع القضية السكانية ينبغي ان يكون تعاملًا شاملًا وأن يكون هناك خريطة للمفاهيم المغلوطة التي تعوق عملية التنمية، وأن يتم التعامل مع كل مفهوم على حدة.
التوسع في برامج المقبلين على الزواج القائمة على خطاب ديني يجمع ما بين المدخل الاجتماعي في القضية الدينية.