الوطن العربي

لماذا لا يحتفل لبنان بالذكرى الـ140 على رحيل معلم الأجيال بطرس البستاني؟

كتب: كمال ديب
على كل ناطقي الضاد والعرب في كل مكان أن يشكروا المعلم بطرس البستاني، هذا المسيحي الذي أحيا اللغة العربية من الضياع بعد 400 سنة من عصر الانحطاط تحت الحكم العثماني. وهو أحد الأدلة على أنّ لبنان كان ولا يزال مشعل العرب لغة وحضارة.


أيها المواطن في السودان وفي العراق والمغرب وموريتانيا وعُمان: عندما تقرأ جريدة أو كتاب أو تستمع إلى نشرة الأخبار، تذكّر فضل بطرس البستاني في وضع مداميك اللغة العربية الجديدة التي تعيشها اليوم.

بطرس البستاني وُلد في قرية الدبية في جبل لبنان عام 1819، تعلّم العربية وله من العمر 10 سنوات في دير عين ورقة، وقبل أن يبلغ العشرين، تعلّم الانكليزية والسريانية واللاتينية، وعندما باشر ترجمة الكتاب المقدّس إلى العربية لأول مرّة تعلم العبرية والآرامية واليونانية القديمة وكذلك الإيطالية والفرنسية. وأصبح معلّم مدرسة في قرية عبيه ثم في المدارس الرسمية والأميركية في لبنان.

وكان بطرس البستاني قد اكتشف فقدان اللغة العربية تماماً ولاحظ تحوّل الناس حتى في الكتابة إلى اللهجة المحكية غير الأدبية وهذا أفسد الأخلاق والتعامل المهذّب وأوصل إلأى تخلّف العقول. فوضع البستاني أول قاموس عربي – عربي هو “محيط المحيط” في مجلدين لإعادة إحياء اللغة في قالب عصري، ثم قاموس آخر للتعليم هو “قطر المحيط”.

ثم أن البستاني لاحظ اهتمام الأميركان والفرنسيين بإصدار الموسوعات (انسكلوبيديا) بلغة بلادهم الفرنسية والانكليزية، فقّرر أنّه لا بد من وضع موسوعة عربية في عشرين مجلداً.

وتوفي في مكتبته وهو يعمل على هذه الموسوعة التي صدر منها 11 مجلداً باسم “دائرة المعارف العربية”. وبلغ من جودة هذا العمل وتأليفه ومضمونه أنّ أحداً لا يصدّق أنّ رجلاً فرداً هو بطرس البستاني وحده استطاع أن ينجز هذا العمل ويكتبه ويشرف عليه ويراجع كل فقرة فيه.
كما كان بطرس البستاني وطنياً بكل معنى الكلمة ينبذ الطائفية والتطرّف ويدعو إلى الوحدة الوطنية واضعاً في كتاب 22 شرطا للمواطنية وكتاباً عن أهمية حقوق المرأة وتحريرها لأنّها جناح المجتمع الآخر.

وأصدر صحيفة “نفير سورية” في بيروت وجعل شعارها “حب الوطن من الإيمان”، يدعو فيها إلى المعرفة لأنّ المعرفة تنير العقل والعقل المنير يقضي على التعصّب ويحبّذ المثل العليا لكل المواطنين، في كلام وأسلوب لم تسمع بمثله بلاد الشام من قبل.

وعام 1863 أسّس المدرسة الوطنية التي استقبلت الطلاب من كل الطوائف بمُثلٍ وطنيّة خرّجت كثيرين من قادة لبنان وسورية وفلسطين في الأدب والشعر والعلم والسياسية. ثم أصدر صحيفة “الجنان” عام 1870 شارك فيها كتّاب من البلاد العربية. فكان هو والنهضوي ناصيف اليازجي يبعثان لغة عربية وحضارة كادت تندثر.

وفي العام 1883 وجدته أسرته متوفياً بين الكتب وهو يواصل العمل حتى الرمق الأخير.

ورب قائل يقول لماذا يحتفل لبنان بالبستاني اليوم وهو في خضم أزمة اقتصادية اجتماعية. وأقول لكم إنّ الثقافة تنقذ لبنان لأنّها تجلب معها الأدب وحب الوطن والوعي وهذه هي شروط عودة الماء والكهرباء.

إذ كيف نقبل أن تتضرّع القبائل لله من أجل هطول المطر ونعتبر ذلك عادياً، ولا نقبل أن نتمسك بأصالة لبنان وجذوره العلمية والأدبية لكي يكون للبنان دولة لائقة؟

الاعلامي/ كمال ذيب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ad 12 all pages
زر الذهاب إلى الأعلى