أخبار مصر

المتحف المصري الكبير.. قصة تصميم بدأت بمكالمة هاتفية وانتهت بتحفة معمارية عالمية

قبل أكثر من عقدين، تلقت المهندسة المعمارية الأيرلندية روزين هينيغان مكالمة هاتفية غير متوقعة، أبلغتها باختيار شركتها الصغيرة – التي لم يكن يعمل بها سوى أربعة أشخاص – لتصميم أحد أكبر المتاحف في العالم. اعتقدت في البداية أن الأمر “مزحة”، لكن سرعان ما أدركت أنها فازت بمسابقة دولية كبرى لتصميم المتحف المصري الكبير، المشروع الثقافي الأضخم في تاريخ مصر الحديث.

في عام 2002، أطلقت الحكومة المصرية مسابقة عالمية لتصميم المتحف، الذي يقع على مقربة من أهرامات الجيزة، وشارك فيها أكثر من 1550 مكتبًا هندسيًا من 82 دولة. وجاء فوز مكتب “هينيغان بينغ” الأيرلندي بمثابة مفاجأة في الأوساط المعمارية، خاصة أن الشركة كانت حديثة النشأة.

المتحف، الذي يفتتح رسميًا اليوم بعد أكثر من عشرين عامًا من التخطيط والبناء، تجاوزت ميزانيته الإجمالية مليار دولار، ليصبح أحد أعظم المشاريع المعمارية والثقافية في القرن الحادي والعشرين، ورمزًا لطموح مصر في تعزيز مكانتها السياحية والثقافية عالميًا.

وقالت هينيغان في مقابلة مع شبكة CNN من دبلن، إن المشروع كان بمثابة “حلم تحقق بعد رحلة طويلة من التحديات”، مؤكدة أن التأخير المتكرر في الافتتاح “أمر طبيعي” في مشروع بهذا الحجم والتعقيد، خاصة مع التعامل مع قطع أثرية شديدة الحساسية تتجاوز 100 ألف قطعة، بينها برديات، ومنسوجات، وتوابيت، ومومياوات فرعونية نادرة.

وتابعت أن التصميم المعماري للمتحف يهدف إلى منح الزائر إحساسًا بعظمة الحضارة المصرية، من خلال درج مركزي ضخم من ستة طوابق يعرض تماثيل وآثارًا بترتيب زمني عكسي يقود إلى إطلالة مباشرة على أهرامات الجيزة.

أما الواجهة الخارجية للمبنى، فقد صُممت بزوايا هندسية مستوحاة من شكل الأهرامات، باستخدام الخرسانة والزجاج والحجر الجيري المصري، بما يتيح انعكاس الضوء الطبيعي داخل القاعات الواسعة بطريقة مدروسة لا تؤثر على القطع الحجرية المعروضة. وتقول هينيغان إن استخدام ضوء الشمس داخل المتحف “يمنح الزائر شعورًا حقيقيًا بالانغماس في التاريخ”، بدلًا من الاعتماد الكامل على الإضاءة الصناعية.

ويضم المتحف أيضًا 17 معملًا حديثًا للترميم والحفظ، مرتبطة بالمبنى الرئيسي عبر نفق خاص، إلى جانب معرض مخصص بالكامل لتوت عنخ آمون يحتوي على نحو 5000 قطعة تم اكتشافها في مقبرته الشهيرة.

ورغم مرور عقدين من العمل، لم تفقد هينيغان شغفها بالمشروع الذي شكل نقطة تحول في مسيرتها المهنية، قائلة: “لقد فتح لنا هذا المشروع آفاقًا جديدة وجعل اسم شركتنا معروفًا عالميًا”.

وخلال السنوات التالية، توسعت الشركة لتضم نحو 20 موظفًا وتفتتح مكتبًا في برلين، حيث نفذت مشاريع ثقافية أخرى مثل المتحف الفلسطيني في الضفة الغربية ومركز زوار جسر العمالقة في أيرلندا الشمالية.

ورغم التغييرات الطفيفة التي طرأت على التصميم الأصلي أثناء التنفيذ، تؤكد هينيغان أن جوهر المشروع بقي ثابتًا: الاحتفاء بالتراث المصري بروح معاصرة لا تتجاوز الأفق التاريخي للأهرامات.

وتقول المهندسة الأيرلندية في ختام حديثها: “ما يميز المتحف المصري الكبير أنه لا يحاول أن يتفوق على الأهرامات، بل يقف بجوارها باحترام، كامتداد حديث لعظمة حضارة عمرها آلاف السنين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ad 12 all pages
زر الذهاب إلى الأعلى