بدر خالد البحر يكتب: للأشقاء المصريين.. مع التحية
وجه الكاتب بدر خالد البحر رسالة إلى المصريين من خلال مقال في جريدة القبس الكويتية تحت عنوان: “للأشقاء المصريين.. مع التحية”
وجاء نص المقال كالتالي:
قد كانت مصر القبلة التي لجأ إليها الكويتيون للثقافة والعلم، فوصلت إليها أولى البعثات الطلابية سنة 1939، كما قدمت مصر المعلمين في أربعينيات القرن الماضي، أسوة بالبعثات التعليمية السورية والفلسطينية. وقد قلنا منذ أكثر من اثني عشر عاماً في إحدى مقالاتنا، بعنوان «لنا في مصر أصحابٌ وأنسابٌ وأحباب»، إن لمصر سحراً ولبعض أهلها سجية طيبة، وتحدثنا عن روايات أدبائها كرومانسية «رد قلبي» للسباعي، و«النظارة السوداء» لعبدالقدوس، و«الثلاثية» لنجيب محفوظ، الذي تصادف بعد غد ذكرى وفاته (2006)، وذكرنا متعة السينما المصرية وتجسيدها للفكاهة والدراما، فتجد الروائي والمخرج والفنان كالرسامين الكاريكاتيريين يضخمون ملامح الشخصيات لتظل عالقة بالذاكرة. فنحن لا نعتقد ان كويتياً، من جيلنا وقبله، لم يعشق أم كلثوم وعبدالوهاب، ولم يستهوه عبدالحليم وفريد الأطرش، ومن كان ملتزماً منهم سحرته نهاونديات المقرئ الشيخ محمد المنشاوي.
ولعل طيبة وسجية المصريين لهما دور في تعايشهم معنا، فتبادلنا وإياهم خليقتنا وجبلّتنا، فصار المصريون ثاني أكبر جالية وافدة تعمل في القطاعين العام والخاص، ولما كان «التكويت» كسياسة بدأت بشكل أوضح في 2017 و2020، وستتزايد في القادم من الأيام، فمن الطبيعي أن تمس الجاليات الأكثر عدداً، لذلك كان ظهور سعادة السفير المصري في فيديو تم تداوله في غاية الأهمية، إذ استطاع بدبلوماسية فائقة وبموضوعية مستوفية أن يشرح للعمالة المصرية أسباب ذلك، إثر إشاعة خبر الاستغناء عن كل العمالة المصرية في الكويت عقب قرار أصدرته البلدية لتكويت الوظائف، وهو إجراء متبع في أي بلد تنمو فيه أعداد الأيدي العاملة الوطنية بشكل متسارع.
وقد أكد سعادته أهمية العلاقة الإنسانية بين البلدين، وبيّن الحقائق حول حجم العمالة المصرية البالغة حوالي 670 ألفاً، التي منها قرابة الأربعين ألفاً في الحكومة، وأن إجمالي تحويلاتهم حوالي أربعة مليارات دولار أميركي، وقال بكل وضوح إن الكويت تسعى إلى تكويت الوظائف كسائر دول الخليج التي أعلنت ذلك لمواطنيها، وذلك بسبب ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وقال: «عندهم شباب طلع تخرج دالوقتي حيقعد؟ يعني هنجيب الوافد يشتغل في الحكومة والشاب ما يشتغلش»، وهي رسالة اختصر فيها سعادته القضية، وبيّن حرصه على أبناء بلده، فطالب بتشكل فريق عمل بين وزارة الهجرة والقوى العاملة المصرية لإيجاد بدائل لهم بعد إنهاء خدماتهم، ولكن علينا أن نتوقف عند اقتراحه بإعادة تدويرهم وترتيب عقود لهم في جهات أخرى داخل الكويت، لنذكر سعادته بأن من أهداف التكويت هو عمل توازن لتقليل عدد السكان من الأجانب ضمن خطط إعادة هيكلة التركيبة السكانية، وقد كشف سمو رئيس الوزراء السابق ذلك في يونيو 2020، فقال: «%30 كويتيون و%70 غير كويتيين، هذا واقع فيه خلل كبير في تركيبتنا السكانية، المفروض والوضع المثالي أن يكون %70 كويتيين و%30 غير كويتيين…»، وهو ما يجسّد وعي الحكومة، الذي جاء متأخراً، لاستحواذ الوافد على أغلبية الوظائف، حتى صارت هناك عمالة وافدة تخدم عمالة وافدة، جعلت نسبة العمالة الكويتية في القطاع الخاص لا تتجاوز %4، مما يتطلب مشروعاً آخر لتكويت جزء من القطاع الخاص مقابل منح المزايا للشركات والبنوك. فقد أشارت المعلومات المدنية إلى أن هناك حوالي ثلاثة وثلاثين ألف عاطل، والرقم في تزايد، سبعون في المئة منهم شباب دون 29 عاماً، مما يهدّد حملة البكالوريوس ويجعلهم في مواجهة الحكومة لتخفيض عدد السكان.
إنه من باب بيان سعادة السفير للتعاون بين الشعبين، فقد ذكرنا بموقف دفاع مصر عن الكويت أثناء الغزو، الذي يصادف اليوم عام 1990 ذكرى إعلان العراق تسمية الكويت «محافظة كاظمة»، إذ نثمّن موقف الرئيس حسني مبارك لإصدار قرار سياسي من الجامعة العربية يتماشى مع القرار الأميركي والأممي لتحرير الكويت، والذي تزامن حينها مع تعاون كويتي وخليجي مشترك لإسقاط ديون مصر ضمن قائمة شطب ديونها عام 1991، التي شاركت فيها دول عدة، حيث بلغت 43 مليار دولار وفق تصريح فخامة الرئيس السيسي. وعوداً على تاريخ النضال المشترك، فقد ساهمت الكويت بجيشها دفاعاً عن مصر في حربي 1967 و1973، كما أوقفت تصدير نفطها للدول المساندة لإسرائيل، فقدمت 42 قتيلاً كويتياً على أرض مصر الشقيقة، نحسبهم عند الله شهداء.
إن ما أشار إليه سعادة السفير من علاقة بين البلدين، تجسدت برأينا في مجالات عدة، وجاء في مقدمتها التعاون الاقتصادي، حيث قدّم الصندوق الكويتي للتنمية إلى مصر حتى العام الماضي ما يفوق الـ1.1 مليار دينار كويتي، كما قدّم الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، الذي تساهم الكويت فيه بنسبة %26، ما يزيد على 1.5 مليار دينار كويتي، وذلك كله بالإضافة إلى الدعم الدولي لمصر الشقيقة لتنمية وبناء اقتصادها، ضمن قطاعات توفر فرص عمل أكثر للأُسر والشباب، ليصبحوا قادرين على بناء وطنهم من الداخل، وهو ما نأمله ونرجوه في رسالتنا هذه لأشقائنا المصريين مع التحية.