مقالات
أخر الأخبار

بسام القصاص يكتب:العروبة تفتح ذراعيها لـ”السيسي”في الكويت

ثمة لحظات يصعب على القلب أن يخفي ارتجافه، وتغدو فيها الأوطان أقرب إلى الحنين منها إلى الجغرافيا. وأنا المقيم في الكويت منذ سنوات، أحمل مصر في قلبي كل صباح، وأراها في وجه كل كويتي كريم يمد يده بالمحبة، ويرد التحية بلهجة ناعمة كنسيم الخليج. وفي الثالث عشر من أبريل، تعود مصر لتزورنا عبر رئيسها عبد الفتاح السيسي، في زيارة رسمية تأتي في توقيت بالغ الحساسية. لا أستطيع، كمصري أولًا وكعربي عاشق لوحدة الصف، إلا أن أُصغي بانتباه للمغزى العميق لهذه الزيارة، وما تحمله من رسائل تتجاوز حدود البروتوكولات. إنها ليست زيارة روتينية، بل هي محطة مضيئة في مسار العلاقة التي تربط القاهرة بالكويت، علاقة ضاربة بجذورها في التاريخ، وممتدة بوهجها في الحاضر. فبين مصر والكويت قصة لا تُروى في سطرين. هناك دماء سالت، ووقائع تضامن تتوارثها الأجيال، ومواقف عز لا تنسى؛ من وقوف الكويت إلى جانب مصر في حرب أكتوبر، إلى دور مصر في تحرير الكويت من غزو غاشم لم يُفرق بين بيت وبيت. لكن فوق هذا كله، هناك مشهد يخصني، يخصنا نحن أبناء مصر هنا على أرض الكويت. في كل مرة يزورنا فيها الرئيس السيسي، أشعر كأن القاهرة نفسها هبطت على أرض الخليج، وكأن النيل التقى بالبحر مرة أخرى. هي مشاعر لا تُختصر، لكنها تفيض في الوجدان: مزيج من الفخر والانتماء والرجاء. المنطقة تعيش واحدة من أكثر مراحلها اضطرابًا: غزة تنزف، والحقوق الفلسطينية تُهدد بالاقتلاع، والعالم العربي أمام تحديات وجودية تتطلب التنسيق والتكامل لا التنازع والانقسام. ومن هنا، فإن زيارة السيسي للكويت تأتي محملة برسائل وحدة وتضامن. زيارة تهدف إلى تعزيز الشراكة، وتأكيد الموقف الثابت في رفض التهجير القسري ووقف العدوان الإسرائيلي على شعب أعزل يُقاوم لأجل البقاء. العلاقات المصرية-الكويتية اليوم لا تقف عند حدود التاريخ والمواقف، بل تمتد إلى مشروعات ومصالح ومبادرات تخدم الشعبين. فالاستثمارات الكويتية في مصر تخطت الـ20 مليار دولار، تغطي طيفًا واسعًا من القطاعات، وتعكس ثقة لا تهتز في الاقتصاد المصري. وفي المقابل، تفتح مصر ذراعيها لكل تعاون يخدم حاضرنا المشترك، من الأمن الغذائي إلى الطاقة المتجددة، ومن الاقتصاد الرقمي إلى الثقافة والتعليم. لقد شهدت العلاقات بين البلدين محطات بارزة، كان آخرها زيارة أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح إلى مصر، في دلالة على المكانة التي تحتلها مصر في قلب كل كويتي. واليوم، يرد الرئيس السيسي التحية، بزيارة تؤكد أن مصر والكويت تمضيان معًا في درب لا تحكمه المصالح الضيقة، بل تصوغه القيم والأخوة والمصير المشترك. وإذ أكتب كلماتي هذه من قلب الكويت، لا يسعني إلا أن أردد في داخلي: أهلًا بك يا سيادة الرئيس في بلدك الثاني، فأنت لا تزور دولة، بل تزور قلوبًا عرفت مصر وعشقتها. هذه الزيارة ليست فقط خطوة سياسية، بل لحظة وجدانية يعيشها كل مصري هنا، وتعبير عميق عن أن العروبة، رغم كل العواصف، لا تزال قادرة على الوقوف، متماسكة، قوية، ومؤمنة بعدالة قضاياها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ad 12 all pages
زر الذهاب إلى الأعلى