قصة كفاح نعمة سائقة الميكروباص
الروائية سحر غريب
يعطي الله البشر الابتلاءات والاختبارات على قدر إمكانياتهم، فهناك من يحتمل الاختبارات الصعبة، وهناك آخرون يرسبون في اختبارات الله لما لديهم من هشاشة وضعف وعدم قدرة على الصمود، ونعمة كانت تلك الصخرة القوية التي خصها الله بأكبر الابتلاءات والاختبارات، ففي إحدى المدن الصاخبة، عاشت امرأة قوية ومثابرة تُدعى “نعمة”.
لم تكن نعمة كسائر النساء في تلك المدينة؛ المرفهات الذين لديهن السند، والعباءة المالية التي تغطيهن فلا تضطرهن إلى العمل في مهن لا تناسب أنوثتهن، أما نعمة فقد كانت سائقة ميكروباص، وهو أمر نادر في مجتمعها الذي عادة ما ينظر إلى هذه المهنة على أنها حكر للرجال. ورغم كل التحديات، قررت نعمة أن تكون مصدر إلهام لكل من حولها، بدأت حكاية نعمة بعد وفاة زوجها، حيث وجدت نفسها مضطرة لتحمل مسؤولية إعالة أسرتها، المكونة من ثلاثة اطفال في مراحل التعليم المختلفة فكانت أمامها خيارات محدودة، ولكن نعمة قررت أن لا تستسلم. ورثت من زوجها . الميكروباص الذي كان يعمل عليه، وبدلاً من بيعه وتسديد الأقساط التي عليه، تعلمت كيفية قيادته بنفسها، في البداية، واجهت صعوبات كبيرة، سواء من الركاب أو من السائقين الآخرين، الذين لم يتقبلوا بسهولة فكرة أن امرأة تقود ميكروباص في شوارع المدينة المزدحمة، فكم تعرضت في البداية الي عدد من المتحرشين الذين لم يقدروا كيف تتحول تلك الأنثي إلى كائن جديد لا يمت لبني جنسها بصلة، بل أصبحت لا تختلف كثيرا عن أي رجل في سلوكه أو ملابسه، حيث ارتدت نعمة ملابس تشبه ملابس الرجال، ووضعت على رأسها كاب حتى تخفي شعرها أحد معالم أنوثتها المميزة لتتجنب الطامعين في مجتمع يري المرأة مواطن ناقص الأهلية لا يجوز احترامه وتقدير ظروفه الصعبة، ففي كل صباح، كانت نعمة تستيقظ قبل الفجر، تصلي وتستعد ليوم شاق مليء بالتحديات.
كانت تواجه الزحام، والطرقات الوعرة، ونظرات الناس المشككة، ومع ذلك، كانت تتميز بابتسامة دائمة، وهدوء داخلي يُعزز ثقتها بنفسها. بمرور الوقت، بدأ الركاب يلاحظون مهارتها في القيادة واحترامها للجميع، سواء كبار السن أو الأطفال، وأصبح لديها سمعة جيدة بين الركاب، وأصبحوا يفضلون ركوب ميكروباص نعمة بسبب أمانها ولطفها. لم تكن نعمة مجرد سائقة، بل أصبحت صديقة للكثيرين، كانت تستمع لقصص الركاب، تقدم لهم النصائح أحياناً، وتساعد كل من يحتاج للمساعدة، مرت الأيام، وتحولت نعمة إلى رمز للصمود والإرادة حين تخرج أبنائها الثلاثة من جامعاتهم بتفوق، ثم بدأ الشباب يسألون عنهن للزواج، وقفت مهنة نعمة كسائقة حجر عثرة أمام بناتها.. كان سؤال الشباب عن الفتيات دائما ينتهي بلا يوجد نصيب، وهنا بدلا من أن تقدم البنات الشكر لأمهن قررن المواجهة وطلبوا منها أن تعتزل قيادة الميكروباص، شعرت يومها نعمة بالصدمة لأنها كانت تتقبل ملامة الجميع إلا هن، فهي لم تفعل ذلك إلا حين اشتد الجوع عليهن وهن صغيرات بلا مصدر دخل كيف تحولت تضحياتها إلي وصمة عار تجعلهن ناقمات، قررت نعمة بعد مواجهة باكية مع فتياتها أن تترك البيت وتعتزل الحياة مع الفتيات وانتقلت للعيش في حجرة صغيرة وحدها حتي تعلم فلذات كبدها قيمة وجودها، شعرت الفتيات بالحزن لأن عتابهن لنعمة تسبب في بعدها وقررن أن يركبن معها الميكروباص وهنا سمعت الفتيات رأي الركاب عن أمهن ماجعل الغضب من طبيعة عملها الغريب يتلاشي ليختفي تماما.. ويحل محله فخراً كانت تحتاج إليه نعمة بشدة، قال الركاب عنها ..ست بمليون راجل. إحنا بنركب مع نعمة لأنها اختنا مش سواقة، وياما ساعدت ناس وركب معاها ستات مش معاهم فلوس يدفعوا.. الست اللي تركب مع نعمة استحالة حد يقدر يضايقها ، في النهاية، اكتشفت الفتيات ان امهم لم تكن فقط سائقة ميكروباص، بل كانت بطلة غير معلنة، تغير حياة كل من يركب معها ولو لوقت قصير.