منوعات

 بالفيديو| محمود الشربيني فى اليوم العالمي للكتاب: مدين لكتبي بأنني عشت فيها آلاف الأعوام

قال الكاتب محمود الشربيني، إن العودة إلى لحظة ميلاد التذوق الادبي والفني عند القاريء -الكاتب- ربما تكون صعبة او مستحيلة..فهناك رحلة عمرية شاقة طولها كتب وعرضها ابداع وعمقها أفكار.كيف نعود إلى تلك اللحظة التي بدأت تأخذنا إلى عالم مسحور آخر ؟! سحارة أبي بكل مافيها من كتب مدرسية وغير مدرسية احتفظ بها كمكتبة منزلية، كتلك التي يحدثنا عنها أبناء الطبقات فوق المتوسطة، باعتبار انهم شبوا على رؤيتها وقراءتها منذ نعومة اظفارهم، وضبطوا انفسهم متلبسين بالقراءة والكتابة تقليدًا لآبائهم وامهاتهم، فغرس فيهم حب القراءة وولدت فيهم رغبة الثقافة ، ثم” حورفوا- بعد ذلك- مهنة الكتابة” بتعبير لعلي أدهم صاحب الكتاب الذي يحمل هذا العنوان، والذي كان واحدًا من مجموعة كتب ابتعتها في بدء “حياتي الشرائية” للكتب.

كان أولها كتاب للمازني بغلاف أخضر جميل عنوانه “عود على بدء، ثم “الذين حورفوا مهنة الكتابة”، “جنة العبيط”لمؤلفه كبير أساتذة الفلسفة المصريين الدكتور زكي نجيب محمود الذي قضيت ردحا من الزمن أبشر بكتاباته وأفكاره،( مافهمته منها ومالم أفهمه!) وتلك طبيعة مرحلة عمرية معينة لاتستطيع ان تدرك فيها كل الافكار والتصورات والمعاني.


وأضاف” الشربيني” فى تصريحات نشرتها “جريدة الدستور” بمناسبة اليوم العالمي للكتاب:” كان لافتا أن هناك تنوعا في البحث عن المعرفة، فأنا الذي فتحت “سحارة أبي” وكانت مثل الدولاب السحري الذي لاتجرؤ على الاقتراب منه، كونه يحوي كنوزا ثقافيه، وكنوزا مالية أخري، من عقود بيوت ومنازل وأراض ومقابر كانت آلت إليه بالميراث، ولم أكن أعرف قيمة كل ذلك وقتها.

كنت أعيش كل التناقضات، فأنا أخذت من سحارة أبي كنزًا بعنوان “حمزة البهلوان” وكانت عالما سحريا بالنسبة لي، كانت قصة مقررة علي المراحل الدراسية في زمن والدي، أما باقي كتب الدراسة فكنت أذهب لأبيعها لـ “بتاع الفسيخ”في شبين القناطر!قمة التناقض طبعا..ثقافة وفسيخ ومحاولة اكتشاف الذات،على ضوء كتابات الأشهر انذاك: توفيق الحكيم (وقرأت له الإسلام والتعادلية) ويوسف ادريس ومجموعته أرخص ليالي، زكي نجيب محمود وكتابه” جنة العبيط”..الذي هو أحكام وشروط في فن كتابة المقال، وأعقبته بقراءة كتبه من تجديد الفكر العربي الصادر عام ١٩٧١ عن سلسلة عالم المعرفة في الكويت، ثم هذا العصر وثقافته، والكارثة التي تهددنا ومجتمع جديد أو الكارثة..ثم قصة عقل قصة نفس وفيهما جوانب من سيرته الذاتية الخ. ثم كان كتاب أنيس منصور – وتقديري السياسي له ليس كبيرًا -بعنوان “في صالون العقاد كانت لنا أيام” جعلني اطل على العديد من الشخصيات التي ورد ذكرها من بين رواد صالون العقاد..منهم مع زكي نجيب، عبد الرحمن بدوي والدكتور هيكل وطه حسين وشوقي ضيف ولويس عوض وكامل الشناوي، وغيرهم ممن لاتسعفني الذاكرة الآن باستحضارهم، بسبب كثرة معارك العقاد التي دونها أنيس والتي استحوذت على الصالون.

عودة الروح وجمل توفيق الحكيم
وتابع: كان الحكيم مثار جدل كبير في حياتي، بسبب كتابيه عودة الروح وفيه حفاوة بثورة ١٩ والليبرالية السياسية المتحققة (أو ، ثم ظهور مايسمي بتناقض المواقف -أو تطور الرؤي -عندما عاد الحكيم لينتقد هذه الليبرالية، ثم كتابه الذي أثار جدلًا شديدًا وهو عودة الوعي وفيه نقد لثورة يوليو.الحكيم السياسي يفتح الافاق على مثالب وعيوب حتي في المثقف نفسه، ومن كتاباته واختلافك واتفاقك معه تكتشف مواقفك..لعل الحكيم بهذه الصيغة هو الأبرع بين المبدعين، كونه يقدم للقاريء كل شيء، حتي الاختلاف معه، ولاشك أن سلسلة مقالاته المعنونة ب “حديث مع الله” بقدر ما أثارت الجدل بين الإسلاميين والأزهريين وغيرهم، لكنها حركت المياه الراكدة في الحركة الثقافية، ولاشك أن الحكيم بهذه الصيغة كان الأقدر على التأثير في الشعب والحكومة، فقد كان عبد الناصر يقدر إبداعه يقرأ له وتأثر بكتابه عودة الروح، ولما اختلف معه لم يقصف قلمه أو يسجنه. و

كان الحكيم بإبداعه الأدبي ( بجماليون- الصفقة -بنك القلق – عصفور من الشرق – ارني الله الخ ) ألف نحو ٥٧ كتابا من أكثر الكتاب قربا من قلبي، بالإضافة إلى زكى نجيب محمود ويوسف إدريس، أمًا نجيب محفوظ فقد أنخرطت في معرفته بينما كنت أتعلم من أستاذي الدكتور أحمد زكريا الشِّلْق فنون الكتابة وضوابط البحث العلمي، فقد لفتنا إلى كتابات محفوظ التي تتسم بالتكثيف الشديد ( كان يستشهد بجمله من رواية يقول فيها نجيب: وأخيرا فاحت من بيت إبراهيم رائحة التقلية) والاستدلال بهذه الجملة شديدة الاختصار لكل مشواره منذ ولادته وحتي انخراطه في العمل ومابينهما من رحلة تعلم ثم تخرج ثم توظف ثم تزوج وفتح بيتا،والمعني أن رائحة التقلية لايمكن لشاب اعزب أن تستنشق في بيته.

واستطرد قائلًا:” لم يكن هذا فضل الدكتور زكريا الوحيد، فكتبه عن تاريخ الفكر المصري الحديث،وكذا دراساته لأدب طه حسين وغيرها والتي نشرتها هيئة الكتاب، ساهمت في تكويني الثقافي بمرحلة الجامعة، وأذكر منها أن أفكارًا قرأتها لرديارد كبلنج بعنوان “الشرق شرق والغرب غرب، ولن يلتقيا كانت سببا في علاقة وطيدة بيني وبين أستاذي، ففي أولي محاضراته لنا بكلية الآداب قسم التاريخ عام ١٩٨٤ وقفت في السيكشن لأعلن أنني اختلف مع أستاذي، فعندما ذكرنا دكتور زكريا بمقولة كبلنج وقفت لأقول هذا خطأ ( بكل عنفوان الشباب ) ليطلب مني أستاذي أن اقف لأشرح أسبابي، فقلت إن الدكتور زكي نجيب اخضع مقولة كبلنج للبحث وأعد حولها كتابًا بعنوان “الشرق الفنان “، موضحا فيه أنه إذا كان الغرب لدية النظرة العلمية العملياتيه فأن الشرق قد حباه الله بالنظره الوجدانية الروحية، وبالتالي فالشرق يتكامل مع الغرب في “أمتنا الوسط” التي تجمع بين مجالي الادراك وهما العقل والوجدان. كان ذلك سببا في علاقة وطيدة بين الأستاذ وتلميذه، فقد اكتشف الأستاذ أن تلميذه يقرأ خارج المنهج، لذلك عندما حانت لحظة الامتحان نهاية العام ووجد أن تلميذه يوشك على حصد مرتبة الأول على الدفعة، لو أن بعض الأساتذة ممن يقرأون بسرعة، أو يعرف عنهم “شحهم “في منح الدرجات الحقيقية للطلاب، فإنه طلب إلى بعض هؤلاء قراءة ورقة امتحاني بعين أخري، وكان استحقاقي هو أن أكون أول دفعتي.
وأختتم،: الكتاب حياة ممتدة وأنا مدين لكتبي بأنني عشت فيها آلاف الأعوام، التي روضت جهلي، وطورت أفكاري، وأعانتني على ضعفي الإنساني كثيرا فتغلبت عليه، وفي نهاية المطاف فإنها صنعت مني الكاتب أوصاحب الرأي الذي أنا عليه الآن بعد أكثر من نصف قرن من القراءة والكتابة تقريبا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ad 12 all pages
زر الذهاب إلى الأعلى