مقالات

فلسطين بطبعة إيرانية بقلم عبدالحليم قنديل

قد لا يكون العنصر الحاسم فى مستقبل قضية فلسطين ، أن تتورط دول عربية أو اسلامية مضافة فى خطايا التطبيع العادى أو “الإبراهيمى” مع كيان الاحتلال الإسرائيلى ، فلم يعد لدولة عربية ـ للأسف ـ من دور جوهرى داخل فلسطين المحتلة ، اللهم إلا بمعونات موسمية لطرف أو لآخر ، أو فى تدخلات دبلوماسية وأمنية مفرقة مأذون بها أمريكيا وإسرائيليا ، فيما صار الخصم الميدانى المباشر للكيان هو “إيران” ، التى ربما توظف الموضوع الفلسطينى لصالحها ومصالحها الذاتية ، عبر جولات عض الأصابع ، فإيران هى الوحيدة ـ للأسف ـ التى تقدم دعما ماليا وعسكريا مباشرا للمقاومة ، وتتقدم إلى مكانة “الرقم الصعب” فى المعادلة كلها ، إما بعلاقاتها الوثيقة مع جماعات “الجهاد الإسلامى” و”حماس” وغيرها ، أو من خلال “حزب الله ” إيرانى النزعة ، الذى يمد ذراعه الطويلة داخل فلسطين ، ويعتز بترسانته الحربية والصاروخية الهائلة ، ويقوم بتدريب وتطوير خبرات فصائل فلسطينية مقاومة ، ولا تخشى إسرائيل سواه فى كل المشرق العربى .

إقرأ أيضا..الشرق الجديد والغرب القديم بقلم عبدالحليم قنديل
وقد لا تكون القصة وليدة اللحظة ، ولا بمناسبة إتهامات “بنيامين نتنياهو” رئيس وزراء العدو ، الذى قال أن “إيران” هى التى تحارب كيان الاحتلال حاليا فى الضفة الغربية والقدس ، وتلك اتهامات تتجاوز الوقائع الملموسة وحقائقها ، وكلها تؤكد أن انتفاضة الضفة الجارية من صنع الشعب الفلسطينى أساسا ، وبهدف تحرير أرضه ، وأن جيش الاحتلال يصادف واقعا لم يألفه منذ عشرين سنة ، أى منذ عملية “السور الواقى” ، التى قادها الجنرال “إرييل شارون” عام 2002 ، وترافقت مع إنشاء “الجدار الفاصل” بين أراضى فلسطين المحتلة عام 1948 والأراضى المحتلة فى عدوان 1967 ، ولم يهمد كفاح الشعب الفلسطينى فى أى وقت ، لكنه شهد تطورا نوعيا ممتازا فى السنوات الأخيرة ، وبالذات منذ حرب “سيف القدس” أواسط 2021 ، التى ألغت مسافات الانعزال وجدرانه بين الفلسطينيين فى ساحات الداخل كلها ، وجعلت “وحدة الساحات” أمرا واقعا قابلا للتطور باستمرار، وجذبت إلى الميدان قطاعات كبرى من الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة بنكبة 1948 ، ووحدت قضية الشعب الفلسطينى من جديد ، وأعادتها إلى سيرتها الأولى ، وقد كانت تلك نبوءة ، حذر منها “شارون” نفسه قبل ضياعه فى غيبوبة الموت الطويلة ، حين قال بعد عملية “السور الواقى” بفظائعها الإجرامية الوحشية ، أننا ـ أى الكيان ـ عدنا مجددا إلى نقطة البدء فى حرب 1948 ، وبعد عشرين سنة ، بدت الصورة ذاهبة لاكتمال فريد ، فأحدث بيانات “مركز الإحصاء الفلسطينى” صدر عشية حلول الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة فى 14 مايو 2023 ، وقال بوضوح رقمى ، أن عدد الفلسطينيين تزايد بعشر مرات عما كان عليه عام 1948 ، وأن العدد يزيد اليوم على 14 مليونا و 300 ألف فلسطينى ، جرى تهجير نصفهم إلى بلدان الشتات ، وبقى نحو النصف مقيما داخل فلسطين التاريخية ، بينهم أكثر من مليون و700 ألفا فى أراضى 1948 ، وأن نسبة الفلسطينيين بلغت 50.1 % من مجموع المقيمين على أراضى الوطن الأصلى ، بمساحته البالغة 27 ألف كيلومتر مربع ، فيما تراجعت نسبة اليهود المجلوبين للاستيطان إلى 49.9% من المجموع ، وثمة تقديرات إحصائية أخرى ، تزيد نسبة الفلسطينيين ، لكن الثابت فى كل الأحوال ، أن الصمود الفلسطينى ولد شعبا آخر متكاثرا عفيا ، لم تزده المحنة الفريدة إلا صلابة وتصميما وابتكارا لوسائل كفاح ، برغم كل الظروف المعيقة ، وبرغم الاختلال السياسى الفلسطينى وانقساماته ، وبرغم انهيارات اتفاق أوسلو ـ 1994 ـ ووعوده الزائفة ، التى ذهبت بقضية فلسطين إلى متاهات ضيعت أجيالا ، وزادت كثافة الاستيطان اليهودى فى الضفة الغربية والقدس إلى نحو المليون شخص ، لكنها ـ أى “أوسلو” وتوابعها ـ لم تفقد الشعب الفلسطينى حيويته ، التى قادت الانتفاضة الثانية عام 2000 لنحو ست سنوات ، بدت فيها تضحيات الشعب الفلسطينى ودماؤه المراقة غزيرة ، لكنها أسقطت ما يزيد على ألف قتيل “إسرائيلى” إضافة لعشرين ألفا من المصابين ، وكانت نتائج الانتفاضة الثانية ملموسة باليد والعين المجردة ، فقد أرغمت كيان الاحتلال على اتخاذ قرار الجلاء من طرف واحد عن قطاع غزة ، وتفكيك المستوطنات اليهودية السبع فيه ، وكان التحرير النسبى لقطاع غزة ، هو المعين الجوهرى فى إقامة قاعدة متطورة للمقاومة الفلسطينية المسلحة ، أدارت حروبا ضروسا طويلة مع كيان الاحتلال ، لم تهزم فيها غزة المحاصرة أبدا ، وبعد انقطاع طويل المدى كفاحيا بين غزة والضفة ، كان التطور الجديد الأخطر على مصير الاحتلال ، وهو زرع وترسيخ قاعدة صلبة لانتفاضة الضفة المتوالية فصولها ، كانت مدن شمال الضفة فى “جنين” و”نابلس” و”طولكرم” أبرز مواردها ، وكانت وتكون المخيمات بالذات وقودها ، من “مخيم جنين” الأشهر إلى مخيم “نور شمس” فى طولكرم ، إلى “نابلس” القديمة الراقدة فى حضن جبالها ، وفى الضفة الغربية نحو 24 مخيما ، هى خزانة القضية منذ بدأت ، ونحو 800 ألف لاجئ للضفة من فلسطين التاريخية كلها ، وتمضى شعلة نار الانتفاضة الجديدة من الشمال إلى الجنوب ، وعبر بلدة “حوارة” البطلة الأسطورية فى الوسط ، ولا تعد صور التنكيل والقتل والأسر اليومى جديدة على حياة الفلسطينيين فى الضفة والقدس ، فهم قاسوها فى أوقات الهدوء النسبى ، ويقاسونها أكثر فى السنوات الثلاث الأخيرة ، وبالذات مع إعلان العدو عزمه على ضم الضفة بكاملها بعد ضم القدس ، ورفض إقامة أى دولة فلسطينية ، وإشهار مقولة “الحل النهائى” بسحق وطرد كل الفلسطينيين ، خصوصا مع حكومة المجرمين وأرباب السوابق من غلاة “الصهيونية التوارتية” ، كل هذا يحدث ويتغول نعم ، لكن الشعب الفلسطينى الذى يلاقونه هذه المرة مختلف ، كفر بكل اتفاقات “أوسلو” والتنسيق الأمنى ، وحزم رأيه فى اتجاه المقاومة ، التى صارت خيارا بلا بديل ، مدعوما بأجيال جديدة من الفلسطينيين علمتها المحن الداهسة فنون المقاومة ، وجعلت جماعات المقاومة التلقائية تتزايد ، من “عرين الأسود” فى “نابلس” إلى غيرها ، وفى كل مراكز شمال الضفة الأقرب جغرافيا إلى قلب فلسطين التاريخية ، وخصوصا فى “جنين” ، التى صارت عاصمة الحلم الفلسطينى الجامع ، وتداخلت فيها صور المقاومة المنظمة والمقاومة التلقائية ، وتبدو اليوم كأنها “غزة الجديدة” ، حيث تتواصل خبرات المقاومين ، وتنشأ قواعد تطوير الأسلحة ذاتيا ومحليا ، وتكبد العدو خسائر ملموسة فى الأفراد والمعدات ، وتبدع فى صنع العبوات الناسفة ، وحتى الطائرات المسيرة ، وتتجاوب مباشرة مع حس الشارع الفلسطينى ، الذى صدمته مؤخرا واقعة إجبار نساء “الخليل” على خلع ملابسهن والتعرى بالكامل أمام أطفالهن تحت التهديد بنهش الكلاب البوليسية ، والواقعة المريعة لها سوابق كثيرة ، لكن الجديد هذه المرة ، أنها لن تمر بلا حساب دموى ، فقد نجحت المقاومة الجديدة فى قتل 35 جنديا ومستوطنا إسرائيليا خلال شهور العام الجارى ، ونزف الدم وحده ، هو الذى يجبر المحتلين على التراجع ، وعلى دفع أثمان مكلفة لبقاء الاحتلال ، وفى اللحظة التى تزيد فيها تكلفة الاحتلال على فوائد بقائه ، يقرر الاحتلال أن يرحل ويجلو كما فعل فى “غزة” ، ولا شئ يقرب هذه اللحظة سوى المقاومة وحدها ، وليس اللجوء لمناشدات فارغة ، تستحث ما يسمى “المجتمع الدولى” المتواطئ الداعم لكيان الاحتلال ، أو ترجو عون جامعة دول عربية فاقدة لروح الحياة والنخوة والحضور المؤثر فى تفاعلات التاريخ الجارى .
نعم ، الإنتفاضة الجديدة من صنع الفلسطينيين وفصائلهم وأجيالهم الجديدة ، لكنهم لا يلقون من أغلب النظم العربية للأسف ، سوى طعنات “التطبيع” الغائرة فى ظهورهم ، ولا يجدون حتى من دول العالم الإسلامى ، دعما يجاوز “مصمصات” الشفاه ، ربما باستثناء “إيران” ، التى قد تكون لها مآربها الذاتية فى استثمار الموضوع الفلسطينى ، وتجيير قوة الكفاح الفلسطينى لدعم مصالحها فى “الاتفاق النووى” وغيره ، أو فى ترسيخ نفوذها المتفشى المتوحش فى الشرق العربى والخليج ، خصوصا بعد كسبها لثمار التهدئة بالاتفاق “الصينى” مع السعودية ، وهى تريد أن تغير الصورة الأصلية للصراع ، وأن تجعل ما كنا نسميه صراعا عربيا ـ إسرائيليا صراعا إيرانيا ـ إسرائيليا ، وقد نزعم أنها نجحت إلى حد كبير ، ليس بسبب إقدامها ، بل بسبب تراجع العرب ، وإخلاءهم لمواقعهم الطبيعية ، وذهابهم فرادى وجماعات إلى المعسكر الآخر ، وتفانى بعضهم فى خدمة كيان الاحتلال ، والاكتفاء بترديد وعزف اسطوانات مشروخة عن التضامن مع الفلسطينيين العرب ، بينما تركوا واجب خدمة قضية فلسطين لآخرين ، لا يلومهم أحد عاقل إن فعلوا ، وأيا ما كانت النوايا والمقاصد ، وعلى طريقة النظام الإيرانى ، الذى يبدو “عربيا” بأكثر من أى نظام عربى ، وبالذات فى إعلان نصرة الشعب الفلسطينى .
Kandel2002@hotmail.com

العزيز زائر وعضو الموقع أشترك وشاركنا على منصاتنا المختلفة.
تفاعل معنا لنكون دائما في الصدارة ونستمر في تقديم كل ما هو مفيد وفي الصالح العام.. كن إيجابي وشارك في النجاح.

تابع بالأسفل.

مصريون في الكويت: www.egkw.com

فيس بوك: www.facebook.com/egkwcom

انستجرام: www.instagram.com/egkwcom

تويتر: https://www.twitter.com/egkwnet

يوتيوب: www.youtube.com/@mesryoon

ثريدز: www.threads.net/@egkwcom

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مصريون: www.q8eg.com

فيس بوك: www.facebook.com/egkwcom1

انستجرام: www.instagram.com/egkwcom1

تويتر: https://www.twitter.com/EGKWcom1

يوتيوب: www.youtube.com/@egyptiansinkuwaitplus3976

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وكالة انباء النفط (اونا نيوز): www.oilnewsagency.com

فيس بوك: www.facebook.com/ONANEWS2022

انستجرام: www.instagram.com/oilnewsagency

تويتر: https://www.twitter.com/Oil_News_Agency

يوتيوب: www.youtube.com/@OilNewsAgency

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ad 12 all pages
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى