منوعات

اقتصاد المؤثرين.. مليارات الدولارات بضغطة زر

في العام الماضي، أطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيرا من محتوى ضار يقدّمه بعض المؤثرين (الإنفلونسرز) والناشرين الرقميين بشأن استخدام الألبان الصناعية بدلاً من الرضاعة الطبيعية.

وذكرت المنظمة الأممية، آنذاك، أن شركات مُصنّعة للحليب الصناعي دفعت أموالاً لمؤثرين بلغت قيمتها 55 مليار دولار أمريكي؛ للترويج للألبان الصناعية على حساب الرضاعة الطبيعية.

وأشارت إلى أن نحو مليارين ونصف المليار حساب على وسائل التواصل الاجتماعي اطلعت على 4 ملايين منشور تروّج لتلك المعلومات المغلوطة، ما أدى إلى زيادة مشتريات بدائل لبن الأم وإبعاد الأمهات عن الرضاعة الطبيعية، التي توصي بها منظمة الصحة العالمية.

ما أطلقته الصحة العالمية، يشر إلى عالم كبير يتعلق بتسويق المؤثرين، الذي يتوقع له، أن يصل خلال العام الجاري إلى 21.1 مليار دولار، بزيادة تقدر بـ29% عن العام الماضي، 2022، والذي كانت قيمة تقديرات تسويق المؤثرين فيه 16.4 مليار دولار، وهي قيمة تتزايد عاما بعد عام، إذ كانت في 2016، تصل إلى 1.7 مليار دولار فحسب، لكن ذلك السوق الواعد، مرت عليه متغيرات، كان منها فيروس كورونا، وما صاحبه من زيادة مستخدمي الإنترنت، ونسب البقاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ومتغيرات اجتماعية فرضت العمل من المنازل، لترتفع قيمة ذلك السوق.

«المؤثر، والإنفلوسنر، وصانع المحتوى» كلها مصطلحات متداولة منذ سنوات، تشير إلى حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، يتابعها عدد كبير من الأشخاص، قد تبدأ بـ10 آلاف شخص، وتصل أحيانا إلى ملايين المتابعين، ممن يكون لهم دور في تسلية وإمتاع أو تثقيف المتابعين، وربما التأثير في أفكارهم وقناعتاهم، وميولهم الشرائية أيضا، بما يخدم مؤسسات ومنظمات ومتاجر، محققين بذلك مكاسبا لأنفسهم وشهرة أيضا، في ميدان تكون فيه المتابعة بضغطة زر.

تفضيلات المتابعة
والأرقام والتقديرات السابقة، حول قيمة عالم تسويق المؤثرين نشرتها منصة «إنفلونسر ماركتينج هاب»، التي أجرت مسحا على عدد من المؤثرين، وتبين لها أن أكثر القطاعات شعبية وانتشارا، هي الموضة والجمال، بنسبة 25% تليها الألعاب، بنسبة 12.9%، ثم السفر والأمور الحياتية بنسبة 12.5%، ثم الرياضة بنسبة 12%، يليها الأمومة والأبوة والتربية والرعاية بالمنزل بنسبة 10.7%، والصحة واللياقة البدنية، 6.8% فيما تغطي 19% من الأمور المتبقية أشياء أخرى متعددة.

كان المؤثر، وبمفهوم ما قبل مواقع التواصل الاجتماعي، يشير إلى شخصية تكتسب شهرة كبيرة محلية أو دولية، وله قدرة على التأثير في الآلاف والملايين بحسب شهرته، وقد يكون عالما أو أديبا أو لاعب كرة قدم شهير، أو فنان له حضور جماهيري طاغ، لكن المفهوم يختلف الآن، فليس شرطا أن يكون المؤثر أكاديميا أو رياضيا أو فنانا، بقدر ما يهم أن يكون خلفه ملايين المتابعين، فيصبح بالتبعية «مؤثرا».

جيل «زد وألفا»
ويكون لهؤلاء المؤثرين حظوة اجتماعية، يقابلها جيل «زد» والذين من بعدهم «ألفا» بحفاوة كبيرة، حيثما ظهروا، ويسارعون للتصوير معهم، والاحتفاء بتلك اللحظات التي جمعتهم بهم، وربما حرصت دول على الاستفادة منهم، كما تحرص مؤسسات وشركات إعلامية في ترويجهم على هؤلاء المؤثرين وانتهاز فرصة وجودهم في نطاق معين، كما حدث مع البلوجر الألماني «نويل روبنسون»، الذي زار مصر مؤخرا، وكان آخر ظهور له مع المطرب تامر حسني في حفل بمدينة العلمين.

انفلونسرز

على أسوار مدرسته في محافظة القليوبية، يقرأ زياد علي، عبارات تتعلق بصناعة المجد وطلب العلا وسهر الليالي، وقيمة العلم والعلماء، وداخل المدرسة صور منتشرة لعلماء ومشاهير مصريين في مجالات شتى، بينهم أحمد زويل ونجيب محفوظ الحاصلان على جائزة نوبل، لكن الصبي يحلم بالشهرة من باب يحسب أنه أكثر سهولة وأكثر ربحا، ويتمنى أن يصبح أحد «المؤثرين».

حلم المؤثر
يتابع زياد مؤثرين نشطين عبر فيسبوك وإنستجرام وتيك توك وغيرها، فيتعرف من خلالهم على أفضل الأماكن لزيارتها داخل مصر، وأفضل أماكن للحصول على وجبات بعينها، كما يتابع محتويات تخص كرة القدم، وقليل من متابعته تتعلق بالموضة «هذه الأمور بسيطة، أنت تمسك كاميرا، ثم تعدل وتحرر المشاهد، ثم تنشرها لجمهورك، العقبة الأكبر هي الحصول على متابعين كثر، لكن مقطع فيديو واحد قد يحقق لك الشهرة» يحكي طالب الإعدادية، الذي يخطط لأن يصبح مؤثرا فيما بعد، وفي رأيه فالأمر لا يقل أهمية عن التعليم.

«ينصحني أبي دوما بشأن التعليم، وهذا أمر جيد، لكن الحصول على المال والشهرة اختلفا الآن، يمكن أن أحقق الاثنين من خلال حساب على تطبيق، سواء من الأماكن أو المتاجر أو الفنادق السياحية التي أعرض لها خدماتها ومنتجاتها» يشرح زياد، الذي يعتبر التعليم والحصول على معارف كثيرة من شأنها أن تجعل محتواه الذي ينوي تقديمه فيما بعد، حول السفر لأماكن داخل مصر أكثر تميزا من غيره «لأنني في النهاية لا أنوي عرض أمور لا أعلم عنها، الخبرة والتعليم جيدان في هذا المجال».

ترويج أفكار وخدمات
وإن كانت الشركات والمتاجر والمطاعم والمبيعات الإلكترونية، ضمن ما يروج له المؤثرون حول العالم، مقابل حصولهم على هدايا أو منتجات أو حتى مبالغ مالية، فإن للأمر بعد آخر، إذ تلجأ دول لهم في الترويج لنفسها ولمعالمها وإضفاء صورة ذهنية عالمية مختلفة عنها، كما تفعل الصين مثلا. فبحسب تقرير نشرته “نيويورك تايمز” فإن بكين تلجأ لمؤثرين غربيين، من بريطانيا وأمريكا، يروجون لمنتجات صينية، ويهاجمون فكرة انتهاكات الصين بحق بعض الأقليات. بحسب الصحيفة أيضا، فإن بكين سهلت ومولت سفر بعض المؤثرين لديها، وعرضت عليهم مبالغ مالية، إلى جانب أرباح حققوها من ملايين المشاهدات سواء على يوتيوب أو غيره من المواقع.

لكن على جانب آخر، فإن دولا تروج ضمن أدوات متعددة لمعالمها السياحية على المؤثرين، مثلما تفعل مصر، ممثلة في الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي باستضافة عدد من المؤثرين والصحفيين من مصر ومن دول أجنبية. خلال أحد بياناتها الرسمية، قالت وزارة السياحة، إنه استكمالا لخطتها للتنشيط السياحي، فإنها تنظم زيارات تعريفية لبعض المؤثرين الذين يتمتعون بعدد كبير من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، لتنمية الوعي السياحي والأثري للمواطنين «حيث يتمتع هؤلاء المؤثرين بمتابعين تتراوح أعدادهم ما بين 500 ألف إلى 2 مليون متابع».

وفيما يتعلق بالمبيعات، فإن اللجوء للمؤثرين له تاريخ قديم، ويحتفظ يوتيوب بفيديوهات قديمة وصور للاعبي كرة القدم وهم يتناولون مشروبا معينا، أو يشترون ملابس من متاجر بعينها، وامتد الخط على استقامته للاستفادة من «الإنفلونسرز» والملايين الذين يتابعونهم، وكلما كانت أعداد المتابعين كبيرة كلما كانت الجهة التي ترغب في الترويج لنفسها، أكثر شهرة دون غيرها.

شركة «شي إن» صاحبة الملابس الجاهزة، استعانت في الشهر الماضي، بمؤثرين من أمريكا، للترويج لمنتجاتها، بلغ عددهم 6 مؤثرين، زاروا أحد مصانع الشركة، التي لها شهرة عالمية، ووثقوا على مدار 4 أيام رحلتهم بداية من الطائرات والفنادق والمطاعم، ثم الشركة والعاملين فيها. لكن الأمر قوبل بالاستهجان، إذ أن الشركة تتعرض لانتقادات تتعلق باستغلال العمالة والقاصرين، والآثار البيئية التي تخلفها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ad 12 all pages
زر الذهاب إلى الأعلى