محمود الشربيني يكتب.. ضوء فى آخر النفق الجدول المتخم.. يريد حلًا! (1)
الموهبة والحدس الصحفى قادا محامين ومصورين وخريجى جامعات غير متخصصة فى الإعلام والصحافة ليكونوا أسطوات فى المهنة. لم تكن دراسة الصحافة كعلم هى الطريق الوحيد للانخراط فى بلاط صاحبة الجلالة. كامل زهيرى (نقيب النقباء كما نلقبه) تخرج من كلية الحقوق، وكذا أحمد بهاء الدين الذى كان أصغر رئيس تحرير شاب وأول رئيس تحرير لمجلة صباح الخير عام ١٩٥٧. الأستاذ هيكل تخرج من مدرسة التجارة المتوسطة. الأسطى صلاح حافظ (روزاليوسف) ترك الطب ليلتحق بالبلاط الصحفى. ازدهار الصحافة والإعلام فى القرن الماضى كان وراء توسع كليات الآداب فى إنشاء إقسام الصحافة.
إقرأ أيضا..ضوء في آخر النفق.. اتحرك بمفردات مرتبك ! بقلم: محمود الشربيني
رحلة تطور طويلة، بدايتها المعهد العالى للتحرير والترجمة (أسسه د. محمود عزمى والعميد طه حسين عام ١٩٣٩)، مرورًا بتحول قسم الصحافة بآداب القاهرة عام ١٩٧٤، ليصبح أول كلية مستقلة للإعلام فى الشرق الأوسط كله وليس بمصر وحدها.. وصولًا إلى ارتفاع غير مسبوق فى عدد كليات الإعلام فى الجامعات الخاصة، فى سنوات السبعينات والثمانينات، حيث شهد الإعلام المقروء والمرئى تطورًا مذهلًا بلغ ذروته بزيادة توزيع الأهرام وأخبار اليوم إلى ما يناهز الـ٨٠٠ ألف نسخة ولحقت بهما الوفد (تأسست ١٩٨٤)، بعددها الأسبوعى كل خميس -بشكلٍ غير مسبوق لصحيفة معارضة حتى اليوم، محققة أرقام توزيع مماثلة زمن الاسطى القدير مصطفى شردي.
فى تطور آخر للصحف الخاصة تقدمت الدستور فصوت الأمة فالمصرى اليوم لتبوؤ مواقع فى المقدمة.. فتوزيع المصرى مثلًا كان نسخة بنسخة مع الأهرام، حتى تراجع توزيع الجميع.
ثورة الفضائيات التهمت جانبًا كبيرًا ممن القراء، امتعتهم التوك شو.. والأخبار السياسية على مدار الساعة أو اللحظة بشكل أدق، وتزايد البريق بعد نقل الـcnn ثم الجزيرة للحروب والاغتيالات والحوادث على الهواء مباشرة، ثم قضت ثورة الموبايل على الأغلبية من القراء الأوفياء لعطر الحبر فى الصحيفة الورقية. لقد أحدث ظهور كلية الإعلام كواحدة من كليات القمة فتحًا جديدًا فى الرغبات، فالطالبات كن يحلمن بأن يظهرن على الشاشة الفضية مثل نجمات الإعلام درية شرف الدين وسامية الإتربى ونجوى إبراهيم وأحمد سمير وسمير صبرى وصولًا إلى زمننا الحالى بكل نجومه المشهورين. دفع أولياء أمور مبالغ كبيرة.. ليلتحق أولادهم بكليات الإعلام وأقسام الصحافة، وبلغ الأمر حد الخطر على جدول المشتغلين بنقابة الصحفيين (بحسب جمال عبدالرحيم فى تصريح له عام ٢٠١٩ فإنهم بلغوا ٩٢٥٦».. ربما أصبحوا ١٠ آلاف الآن.. مع تراجع حجم الإعلانات وزيادة أسعار الورق وتكاليف الصدور وقلة موارد الدخل لدى الصحفيين، بعد انحسار المكاتب العربية، وخسائر المؤسسات الصحفية، ومع تزايد التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، وتضاؤل الرغبة فى التثقف والإجادة والتدريب واختلال المنظومة المهنية، تصبح الأرقام عبئًا على النقابة وعلى الصحف. كتاب وصحافيون مخضرمون لم يتقاعدوا توقفوا عن الذهاب إلى صحفهم وممارسة مهنتهم.. يتقاضون معاشاتهم كاملة، فقدوا شهية السبق والممارسة التى تحتاج جهدًا نفسيًا وفكريًا كبيرًا.. أجيال جديدة غير مؤهلة أو مدربة أو تجيد اللغة تزاحم على الخدمات والبدلات إلخ. هذا الاختلال وجب علاجه.. ليس بوقف القيد فى الجدول وإنما بوقف الالتحاق بكليات الإعلام وأقسام الصحافة لفترة نرتب فيها بيت المهنة من جديد! نكمل لاحقًا.