رحم الله تعالي السيد/ سامي شرف سكرتير الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للمعلومات ووزير شؤون رئاسة الجمهورية في عهده والذي توفي قبيل عشرة أيام ، وقد عاش الرجل الجزء الأول من حياته الي جوار عبد الناصر كاتما لأسراره وأحد أهم معاونيه ، أما الجزء الآخر من حياته والذي بدأ منذ ابتعاده عن دائرة الحكم العام 1971 فقد عاشه وفيا لشخص جمال عبد الناصر ومخلصا لمبادئه ، وقد وثق هذا الوفاء وذاك الإخلاص في كتابه الذي أصدر منه عدة أجزاء وحمل عنوان “سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر” ، وقد اهداني الجزء الثاني منه في سبتمبر من العام 2007 وذلك عوضا عن عدم تلبيته طلبي محاورته في شهادة للتاريخ كنت أود أن تتم لأسأله : أليس عبد الناصر بشرا كما يصيب يخطئ؟ ولكي أناقشه في أسباب هذا الإنحياز الكلي للرجل وأثر ذلك علي الأجيال المقبلة ، وقد ترجمت كلمات الإهداء عشقه لعبد الناصر “اهديك هذه الشهادة الثانية علي تجربة انسانية قادها عبد الناصر العظيم من أجل مصر أم الدنيا ، ومن أجل الفقراء الغلابة ومن أجل أمته العربية” ، وفي الحقيقة فإن السيد/ سامي شرف نموذج لكثيرين كانوا و لازالوا ينتصرون لعهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، تماما كما أن هناك كثيرين ينتصرون لعهد الرئيس الراحل أنور السادات ، وعليه فقد ساد مصطلح “الناصرية” في مقابل انتشار مصطلح “الساداتية” ، ولابأس في الانحياز أو منه شريطة أن يكون انحياز عقلاني يري بالإيحابيات وبالسلبيات ولا بأس أن يعظم احداها علي الأخري ، ولكن للأسف نري أن أتباع كل مصطلح متطرفون في انحيازهم فمناصرو عبد الناصر يرونه لم يخطئ البتة ويدافعون عنه كما لوكان إله أو نصف إله ، ولايروق لهم أي انجاز حققه الرئيس الراحل أنور السادات بل ويشككون فيه ، والأمر نفسه ينطبق علي محبي السادات الذي كانوا ولازالوا يرونه قائدا ملهما لم يرتكب أية أخطاء ويصبون جام غضبهم دوما علي عبد الناصر وعهده ، والمؤسف أن هذا ليس حال العامة بل انه واقع قطاع عريض من النخبة ، وفي الحقيقة فإنني شخصيا أشفق كثيرا علي كل من يحكم علي نفسه بالسجن في قالب “الناصرية” أو “الساداتية” لأن من يفعل ذلك لن يكون في مقدروه أن يري بكلتا عينيه ، ولن يكيل الا بمكيالين مهما تظاهر بالإنصاف ولو اوتي من فن المراوغةما اوتي ، وأستطيع القول أن من عملوا حول الرئيسين هم الذين رسخوا هذا المفهوم وتبعتهم النخبة ثم انتقل المرض الي العامة ، وسأدلل بنموذجين حاورتهما في شهادة للتاريخ ففقي العام 2003 التقيت السيد/ محمد فايق وزير الإعلام في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأحد أهم رجاله وذلك عندما زار الكويت التي كنت أعمل بصفته أمين عام الجمعية العربية لحقوق الإنسان آنذاك ، وسألته عن ما اذا كان يري هناك من أخطاء لعبد الناصر ؟ فأبي قلبه وعقله ولسانه أن يري أي أخطاء للرجل وكأن الحديث عن مثل هذه الأخطاء رجس من عمل الشيطان أو كبيرة من الكبائر ، وعندما عدت لأسأله عن ما اذا كان يري من انجاز لأنور السادات توقف عن الكلام المباح ، وفي المقابل التقيت بعده الكاتب الكبير الراحل أنيس منصور أيضا في الكويت وحاورته طويلا فتحدث عن السادات بإيجابية شديدة وعن عبد الناصر بسلبية شديدة جدا وأنزله منزلا في غاية السوء ، وبالطبع هناك الكثير من نموذج محمد فايق وأنيس منصور ، ومن الطبيعي أن يكون رأي الخاصة من أمثالهما مرتبط بحجم الاستفادة او الضرر في العهدين ، وأعتقد أننا لابد من أن نتحرر نحن ويتحرر الجيل الجديد من هذه الرؤية الأحادية لكي نكون منصفين ونورث هذا الإنصاف لاولادنا واحفادنا من بعدنا ، فمن غير المنطقي أن تظل الناصرية والساداتية ان جازت التسميتان وكأنهما حزبان متصارعان متنافران متوازيان وأبدا لا يلتقيان ، ومن ناحية أخري أقول بأننا مللنا من هذا التاريخ المزاجي لفترة حكم كل من عبد الناصر والسادات ومن خلال وجهات نظر احادية اما مؤيدة تماما او معارضة كليا ، وقد آن الأوان لأن يكون هناك تأريخ منطقي وحقيقي بعيون منصفة وبأقلام محايدة وعقول متحضرة لعهدي عبد الناصر والسادات ، ولاشك أن لكل منهما اجتهد فأصاب وأخطأ وأنجز وأخفق ولم يكن أحدهما ملاكا والآخر شيطانا ، والثابت ان كلاهما كان وطنيا له ماله وعليه ماعليه ، ولو فعلنا فسنكون قد أحسنا صنعا وترفقنا بالأجيال المقبلة .. والله من وراء القصد
مقالات ذات صلة
ad 12 all pages
شاهد أيضاً
إغلاق
- هشام الهلواتي يكتب المستشفيات التعليمية لماذا ؟2 ديسمبر، 2024