مقالات

ضوء.. بقلم/ الدكتورة أنيسة فخرو

مفاهيم للمناقشة

أتقدم إلى جميع جمعيات مقاومة التطبيع، وإلى جميع المنظمات الوطنية والإسلامية، في العالم العربي والغربي، بمجموعة من المفاهيم التي تمر علينا في حياتنا اليومية، والتي علينا التوقف عندها والتفكير فيها بتمعن.
فلسطين ليست مجرد مكان، ولا تخص مذهب أو عقيدة أو دين أو عرق أو جنس معين، فلسطين قضية إنسانية، وتحريرها حق إنساني، كفلته كل الشرائع والقوانين، وفلسطين تُرسّخ مفهوم العدل والحرية والسلام، ضد الظلم والعبودية والحرب، بمفهومها الإنساني الشامل. ونقيض فلسطين هي الحركة الصهيونية فقط، وليست اليهودية ولا المسيحية ولا القومية ولا الأنظمة العربية.
الصهيونية مشروع استعماري استيطاني، ولا يهمها أن يموت ملايين البشر، ولا تكترث بسقوط الأنظمة العربية أو الأجنبية المناوئة أو حتى المتعاونة معها، المهم بالنسبة للحركة الصهيونية تحقيق هدفها في تأسيس كيان يمتد من النيل إلى الفرات، لإعتقادهم المؤكد بأن من يهيمن عليها، يضمن السيطرة على العالم أجمع. لذلك أسقطوا نظام صدام والقذافي ومبارك وعلي صالح والأسد، ودمروا دولاً وشعوباً، والدور قادم لا محالة على غيرهم.
إن المفاهيم التي تدور في فلك فلسطين كثيرة وشاملة، وأهمها:

أولا: مفهوم الوحدة الوطنية.
علينا أن نعمل على تطبيق هذا المفهوم عملياً، لا أن نتشدق به نظرياً ونمارس ما هو ضده واقعياً.. الوحدة الوطنية أمراً ضرورياً وأساسياً وعاجلاً، ولا يمكن أن نخطو أية خطوة إلى الأمام إلا بعد تحقيق وإنجاز هذا الهدف. لأن العامل الذاتي قبل العامل الموضوعي هو من يحدد قوتنا أو ضعفنا، هزيمتنا أو انتصارنا.
ومفهوم الوحدة الوطنية يعني الإجماع على تحقيق هدف استراتيجي واحد، يجعل بقية الأهداف ثانوية، وهو مرتبط جدليًا وحتميًا بمفهوم التنازل، والمرونة السياسية والفكرية، بين مختلف الأطراف، لتحقيق الهدف الأوحد.
وعلى جميع المؤسسات والمنظمات الوطنية الفلسطينية والعربية والإسلامية أن تشحذ كل الهمم لتحقيق ذلك.

ثانياً: مفهوم التطرف.
هذا المفهوم أيضا نرى الكثير ممن يرفضه قولاً، لكن يمارسه فعلًا عملياً، وعلينا جميعًا أن نراقب أنفسنا، لكي نصل إلى نقيضه، العقلانية والوسطية، التي تعني قبول الرأي الآخر وتقبله، وتعني وضع المرء نفسه في مكان الآخر، العقلانيّة تعني المرونة وتعني فن الممكن، وألا أخوّن الآخر بمجرد اختلافه معي في الرأي.
لذا على كل المنظمات والجمعيات والمؤسسات الوطنية، أن تضع نصب عينيها استبعاد التطرف الفكري والسياسي والعقائدي والديني، ونشر الوسطية والاعتدال والعقلانيّة، لتحقيق الأهداف المشتركة، وتغليب مصلحة الوطن على كل شيء.

ثالثاً: مفهوم الوطنية.
الوطنية ليست حاكم ولا رئيس أو نظام، الوطنية أرض، وتاريخ، وانتماء، وشعب، ولا يمكن أن يحتكر أي نظام سياسي مفهوم الوطنية، وباختصار كلما زاد الانتماء لدى أفراد الشعب، ورجال النظام، للأرض والوطن، قل الفساد والظلم.

رابعا: مفهوم الموالاة والمعارضة.
وهذا المفهوم له علاقة بالمفهوم السابق، أي بالوطنية التي تعني حب الوطن والولاء له، لا حب فرد أو نظام أو حكومة، بل حب الأرض والوطن، وهذا المفهوم نقيض الخيانة، والخيانة تعني تفضيل المصلحة الشخصية على وطني حتى لو كانت هذه المصلحة تخدم أعداء وطني، وأعتقد، وبعد تجارب عديدة، بأن في كل تنظيم سياسي معارض أو موال، يوجد الأشخاص المخلصين الكُثر، والأشخاص القلة الخوّنة، وكذلك في الحكومة والجهات الموالية، يوجد الأشخاص المخلصين الذين يخافون على تراب الوطن، وعلى مصلحة البلاد والعباد، كما يوجد القلة المفسدون الذين يقدمون مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن.
لذلك علينا أن نبحث عن المخلصين في كل موقع، ونمد أيدينا لهم، لتعمير الأرض والأوطان.
وفي رأيي المتواضع أن كلاهما ( المعارضة والموالاة)، يكمل بعضهما الآخر، ولا يمكن أن ألغي أي منهما، وعلينا أن نمدّ الجسور بينهما من أجل تغليب مصلحة الشعب والوطن.

خامساً: المقاومة
الجميع يعلم أن أشكال المقاومة متعددة، ولا تنحصر في البندقية، وكل أشكال المقاومة ضرورية ومهمة، فمثلاً نعتبر أن الحفاظ على بيوت وأماكن ولادة ونشأة الأدباء والشعراء الفلسطينين وتوثيقها، في كل تراب فلسطين، في الجليل وغزة والضفة والقدس، شكل من أشكال المقاومة الثقافية، وكذلك الحفاظ على التراث والفن والمعمار الفلسطيني، ونحن دومًا نقف مع المقاومة قلباً وقالباً، بكل أشكالها، المقاومة الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية، ومن المهم أن نختار في كل مرحلة الشكل الأمثل للمقاومة، ونعلم جيدًا أن المقاومة حق، وإن لها ضريبة باهظة، لكن كلما قلت خسائرنا البشرية والمادية كان أفضل.

وأخيراً: الاستمرار والتجدد
أهمية ضخّ الدماء الجديدة للاستمرارية والتجديد.
وعلى كل الجمعيات والمنظمات الوطنية، العمل دومًا على استقطاب الشباب،
وبما أن الشباب يعاني حالياً من ضغوطات الحياة الكثيرة، بسبب مسئوليات العمل والأسرة المتزايدة، لذا علينا خلق التوازن بين العطاء والأخذ، وضرورة عدم تحميل الشباب الأعباء الزائدة عن طاقتهم، وتبادل الخبرات بين الجيل المؤسس والحالي والمستقبلي أمر ضروري، لوضع الخطط والاستراتيجيات الناجحة.
والله الموفق.

الدكتورة أنيسة فخرو كاتبة بحرينية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ad 12 all pages
زر الذهاب إلى الأعلى