
تسعى بكين إلى تحصين قطاعها التكنولوجي من التدخلات الخارجية. ومع احتدام المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي، يبدو أن الصين تتخذ تدابير غير معلنة للحد من سفر رواد هذا القطاع إلى الخارج، في خطوة تهدف إلى حماية أسرارها التكنولوجية وتعزيز اكتفائها الذاتي.
قيود غير رسمية
رغم عدم فرض حظر رسمي، تشير تقارير إلى أن السلطات الصينية توجه كبار الباحثين ورواد الأعمال في مجال الذكاء الاصطناعي إلى تجنب السفر إلى الولايات المتحدة وحلفائها إلا في حالات الضرورة القصوى. هذا التوجه يأتي في إطار مخاوف من تسرب معلومات حساسة حول التقدم التكنولوجي للصين أو تعرض هؤلاء الخبراء للاعتقال كورقة ضغط في الصراع الأمريكي الصيني.
من بين المناطق التي تشهد تطبيق هذه السياسة غير المعلنة، بكين وشنغهاي ومقاطعة تشجيانغ، حيث يوجد مقر شركات رائدة مثل «علي بابا» و«ديب سيك». وفقًا لمصادر مطلعة، يُطلب من أي مسؤول تقني يسافر إلى الخارج إبلاغ السلطات مسبقًا، وعند عودته، تقديم تقرير عن الأشخاص الذين التقاهم والأنشطة التي قام بها خلال رحلته.
سباق الهيمنة على الذكاء الاصطناعي
بات الذكاء الاصطناعي ساحة جديدة للصراع بين القوى العظمى، حيث تنافس النماذج الصينية المتطورة شركات أمريكية مثل «أوبن أيه آي» و«غوغل».
في هذا السياق، تسعى بكين إلى إحكام قبضتها على هذا القطاع لضمان استمرار تفوقها في ظل العقوبات الأمريكية المتزايدة، التي شملت حظر تصدير أشباه الموصلات والتكنولوجيا المتقدمة إلى الصين.
أفادت “جيروزاليم بوست” الأمريكية إلى أن التوتر بين الجانبين تصاعد بشكل ملحوظ مع فرض قيود أمريكية على تصدير الرقائق الإلكترونية، مما دفع الصين إلى البحث عن بدائل محلية وتعزيز استقلالها التكنولوجي. وفي المقابل، تبذل الولايات المتحدة جهودًا للحفاظ على موقعها الريادي ومنع بكين من اللحاق بها في هذا المجال الحساس.
اجتماع مع شي جين بينج
في 17 فبراير، استدعى الرئيس الصيني شي جين بينغ كبار رجال الأعمال والرواد التكنولوجيين لاجتماع مغلق في بكين، حيث شدد على أهمية “الشعور بالواجب الوطني” أثناء تطوير التقنيات الحديثة.
وشمل الحضور شخصيات بارزة مثل ليانغ وينفنغ، مؤسس «ديب سيك»، ووانغ شينغشينغ، مؤسس شركة «يوني تري روبوتيكس» المتخصصة في تصنيع الروبوتات.
وهذا التوجه يعكس رغبة القيادة الصينية في منع أي ارتباط قد يضر بالمصالح الوطنية، خصوصًا بعد تجارب سابقة أثارت قلق السلطات، مثل لقاء جاك ما، مؤسس «علي بابا»، مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2017، وهو اللقاء الذي أثار جدلًا في الأوساط السياسية الصينية وأدى لاحقًا إلى تضييق الخناق على إمبراطورية ما الاقتصادية.
الصين تحصين تقنياتها
مع تصاعد القيود، يواجه رواد الأعمال والباحثون الصينيون معضلة كبيرة وهي البقاء داخل الصين والعمل ضمن الضوابط الحكومية، أو المخاطرة بالسفر وتحمل العواقب المحتملة. هذا التوجه يهدف إلى الحد من هجرة العقول، خاصةً في ظل مغادرة عدد متزايد من الأثرياء والمواهب التقنية إلى الخارج بحثًا عن بيئات أكثر انفتاحًا.
سيشكل انعقاد القمة الصينية للذكاء الاصطناعي هذا العام اختبارًا حاسمًا لنجاح هذه الاستراتيجية، حيث تسعى بكين إلى تعزيز ريادتها التكنولوجية مع الحفاظ على علاقاتها الدولية. ستكشف الفترة المقبلة مدى قدرة الصين على تحقيق التوازن بين الانفتاح العالمي وحماية مصالحها الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي.