لماذا تحول القوميون العرب إلى شبيحة لبشار الأسد؟!
كتب – محمود عبدالشكور
“آه يا سوريا الحبيبة.. الطعنة غائرة في قلب العروبة.. لكن العروبة لن تموت”.
هذه العبارة كتبها حمدين صباحي، المرشح الرئاسي المصري سابقا عبر حسابه على منصة “إكس” -تويتر سابقا- وصف فيه شعوره بعد سقوط نظام بشار الأسد صباح الأحد الماضي.
ولم يكن صباحي وحده الذي حزن على رحيل الديكتاتور السفاح بشار، بل وجدنا معظم القوميين والعروبيين والناصريين يبكون سقوط الأسد، فربطوا بينه وبين العروبة، وتباكوا على سقوط سوريا على أيدي الإرهابيين -حسب وصفهم- وكأن سوريا هي بشار الأسد، وبشار هو سوريا.
سوريا لم تسقط
من قال لكم إن العروبة سوف تموت، وسوريا سوف تموت؟
هل بسقوط النظام الديكتاتوري الذي استباح شعبه، وسمح للدول الأخرى بدخول أراضيه، وقتل المعارضين، واعتقلهم، وعذبهم سوف تسقط سوريا والعروبة؟
وهل سوريا في عهد نظام عائلة الأسد وحزب البعث كانت قلعة العروبة، أم كانت دولة وظيفية تؤدي دورا وظيفيا لدول إقليمية ودولية، وتحكم سوريا صُوريا لصالح تلك الدول؟
إن المتابع لتباكِي هؤلاء العروبيين والناصريين على رحيل نظام عائلة الأسد الذي جثم على أنفاس شعب سوريا منذ أكثر من 50 عاما يؤكد أنهم سبب ما يعيش فيه الشعب العربي من مآسٍ وهوان.
فهذه الأنظمة القمعية لم يكن وراءها سوى الهزائم والمرار للشعوب، فهم مِن كراهيتهم لكل ما هو إسلامي وبغباء التيار الإسلامي نفسه تسببوا في فشل “الربيع العربي” بتعاونهم مع الأنظمة العسكرية والديكتاتورية في المنطقة.
سبب نكبة العرب
إن تباكي حمدين ورفاقه على بشار الأسد -حامي العروبة من وجهة نظرهم- هو سبب نكبتنا منذ اتخذوا موقفا معاديا للبوتقة التي انصهر فيها العرب كلهم، والدول الإسلامية جميعها من مختلف دول العالم، وهي الإسلام.
نعم، لم يضيعنا سوى العروبيين والقوميين، فقد كان لنا وعاء أكبر هو الإسلام الذي جَبّ ما قبله، فتنازلوا عنه لما هو أدنى، فضاعوا وأضاعوا، فمنذ متى والعرب لهم حضارة عالمية؟!
إن حضارة العرب لم تظهر إلا بالإسلام الذي انصهرت فيه كل البلدان، وجعل العرب في لحظات تاريخية يحكمون معظم أنحاء العالم، وكان معظم العلماء في المجالات جميعها من جنسيات وبلدان شتى في المحيط الإسلامي.
والسؤال لحمدين ورفاقه من المتباكين على بشار: هل سمعتم أنه أطلق رصاصة على إسرائيل لتحرير هضبة الجولان المحتلة؟
فأين كانت عروبته وهو الذي جعل دولتي إيران وروسيا تحكمان سوريا معه، فتمدَّدَا فيها، وقتلا شعبه الذي وضعه في المعتقلات، وتسبب في تشريد الملايين منه في أنحاء العالم!
حقيقة الجيش السوري
هؤلاء القوم تشعر معهم أنهم منفصلون عن الواقع، فلا غرابة أن أشاهد “فيديو” لـ”سهيل الحسن”، قائد قوات النمر في الجيش السوري، يتحدث عن بشار أنه شمسه وقمره، ويتكلم بكلام كله “هرتلة”، لا تفهم منه شيئا، فتحزن على سوريا الذي كان مثل هذا الشخص يتولى منصبا فيها، حيث كان المذيع يؤكد عليه أننا على الهواء مباشرة وهو يتحدث عن شمسه وقمره بشار!
إن المتباكين على نظام بشار الأسد يعلمون أنه لم يكن هناك جيش سوري بالمعنى المفهوم للجيوش الحرة، بل كان جيشا طائفيا قصف شعبه، وقتله على الهُوية، ومنذ 14 عاما يقتل فيه ويدمر، وهؤلاء العروبيون لا يشعرون بما يحدث للشعب السوري، فكفاهم بشار الأسد، فهو رمز العروبة -من وجهة نظرهم- وهو الذي جاء بالقوى الأجنبية، لتقصف شعبه وتبيده، وليظل يحكمه بديكتاتورية ووحشية.
وقد كانت لديه الفرصة للقيام بمصالحات وإصلاحات يستطيع بها أن يلملم شمل شعبه، ويجعله يتناسَى أفعاله، ولكنها الغطرسة والعناد، كما فعل بن علي، والقذافي، وعلي عبد الله صالح، ومبارك، وغيرهم، حيث يفهمون في اللحظات الأخيرة فقط، ولكن الديكتاتورية تمنعه حتى مِن أخذ موقف محترم، ولكنه يفرّ جبانا مذعورا خارج بلاده التي لفظته.
سوريا تحررت
ويكتب أحدهم وهو في أشد الحزن: “سقطت سوريا”، والحقيقة التي يعرفها الأحرار جميعهم هي أن سوريا تحررت، ولم ولن تسقط، ولكن سقط نظام بشار الأسد الذي لا يمثل سوى نفسه، وحزب البعث والعلويين، وأصبحت سوريا للسوريين، وليست لعائلة الأسد.
لم تكن مشكلة نظام الأسد أنه مجرد نظام قمعي فقط، ولكنه نظام طائفي، مارس الطائفية على السوريين كلهم، ومكّن لأبناء الطائفة العلوية، وزرع فيهم فزّاعة الخوف، وأنهم أقلية، وأن كل الطوائف الأخرى تكرههم، وبمجرد سقوطه ستنتهي حياتهم.
والسؤال هنا للمتباكين على نظام بشار: ألم تشعروا ولو لحظة بالحزن والغضب وتأنيب الضمير لوقوفكم في صفه عندما شاهدتم معتقلين منذ أكثر من 40 عاما مثل الطيار الذي رفض قصف مدينة حماة؟
ومِثل طالب كلية الطب البشري عبد الوهاب دعدوش الذي رأيناه يخرج من معتقل صيدنايا فاقدا للعقل والذاكرة، والذي خرج في سن العشرين منذ 13 عاما للتقدم للامتحان في حماة ولم يعد؟
فهل شاهدتم فرحة الشعب السوري بالحرية في كل مكان وهم يبكون سعادة بسقوط الطاغية؟
الحقيقة، أن الحياة تعطي دروسا، وعلى الطغاة كلهم في كل مكان أن يتحسسوا رؤوسهم، ويعتبروا، لأن الشعوب إذا أرادت فعلت، وعندها لن يجدوا سوى الفرار أو الموت، فالدروس تتوالى في المنطقة.
وعلى مَن يتباكون على نظام الأسد أن يراجعوا بوصلتهم، ويكونوا في صفّ الشعوب والحرية، وأن العروبة ليست الديكتاتورية والفساد، ولكن الحرية هي السبيل لتقدم أي أمة.
ويا أيتها العروبة، كم مِن الجرائم ترتكَب باسمك!